في العراق نهران خالدان عُرف بهما وسُمي بإسمهما ، وأطلق عليه أرض السواد لكثرة زرعه ونخيله، بحيث لا ترى أرضاً يباب .. وهذا من خير النهرين وفيضهما .. والنهر الثالث او هكذا اطلق عليه حينها، حُفر زمن الطاغية ليوصل الماء العذب إلى البصرة .. فتحول ذلك النهر إلى مبزل ماؤه الملح الأجاج ،فزاد ملح البصرة ملحاً .
النهر الرابع أيها الأخوة لونه يختلف تماماً، فهو يجري مذ صار العراق عراقاً، بأوره، وآشوره، وأكده، وبابله، وحضره، ونينواه، وأنباره، وكوفته، وبصرته، وبغداده، وكربلائه. ومنبعه ليس كبقية منابع الأنهار .. إنه ينبع من رقاب الناس وجراحاتها .. النهر الرابع الذي أسرع جريانه وأمتلأت وديانه وفاضت شواطئه على المدن العراقية، اليوم في منطقتي جميلة والبلديات، والأمس في ساحة 55 في مدينة الصدر وفي مدينة الشعب والزعفرانية .. المستشفيات أصبحت بحكم إجرام داعش منبعاً آخر لهذا النهر، فقد أُستهدفت مستشفى الكندي في ساحة النهضة بعجلة مفخخة وأستُهدفت مستشفى الجوادر وبالذات ردهات الطوارئ ،ولم يكن تفجير الكرادة ببعيد، فقد بكى النهر دما بعد أن فاضت على جانبيه .. الطاغية وحده أزهق أرواح مليون ونصف المليون عراقي وأتى بعده داعش ليتم ما بدأه الدكتاتور .. الحروب المتتالية والإبادات والمقابر الجماعية والأخطاء العسكرية والحوادث المرورية والأوبئة والسرطان .. إنه نهر دائم الجريان . فقد ذكرت تقارير الامم المتحدة أستشهاد وجرح 1452 عراقياً بأعمال عنف وتفجيرات خلال شهر كانون أول الماضي، وكانت الأشهر التي مضت من عام 2016 قد سجلت أرقاماً تفوق الألفين ضحية في كل شهر بين شهيد وجريح .. لذلك سجل عام 2016 سقوط أكثر من 19 ألف ضحية حسب إحصائيات المنظمة الدولية.. التي تعد قتلانا وجرحانا وتحسب قطرات دمنا التي تسيل ،والدول الكبرى تزودنا بالسلاح لإدامة المعركة، وتأخذ نفطنا حتى أصبح الشعار الاكثر رواجا(النفط مقابل السلاح) السلاح الذي إنتشر في كل مكان بعد أن كان بيد المقاتلين ورجال الامن ،ويخزن في المشاجب والمعسكرات .. فصارت مخازنه بيوتنا، ومقرات الاحزاب، وغرف النوم، حتى أضحت البيوت مشاجب، والقرى معسكرات، والعشائر فيالق، تمتلك من السلاح خفيفه وثقيله، قريب المدى وبعيده، بنادق ورشاشات وهاونات ومدافع وراجمات وقذائف الصواريخ وعبوات وقنابل يدوية واكداس عتاد فإذا إنتهت معركة، تبدأ معركة أخرى أشد ضراوة، وإذا أخمدت نار فتنة، أيقظ من لعنهم الله فتنة أخرى . إنه نهر دائم الجريان منذ ألاف السنين، ويبدو أنه مستمر بالجريان، وإذا ما توقف جريانه يوماً ما، تتوقف حياتنا، فهو شرياننا، لكنه ليس مغلقاً، بل مفتوح من المنبع إلى المصب .. فيا له من نهر قان .
مقالات اخرى للكاتب