انحدرَ من "اتروش" وهي قرية كبيرة تلتصق بشغاف كردستان ومنذ سنواته المبكرة عاش في أحضان النضال الوطني والقومي مناضلا من اجل وطن قومي كردستاني حر وعاش قي العاصمة بغداد يتلقى العلوم والمعرفة لكن موهبته الأدبية والشعرية سرعان ما ظهرت وتجلت منذ أيام مقاعد الدراسة ناهيك عن تشربه بالثقافة السياسية والفكرية التي عاشتها بغداد في خضم نضالات الأحزاب الوطنية والقومية بعد ثورة 14 تموز 1958.
بصراحة هناك دوافع معينة حفزتني للكتابة عن فوزي الاتروشي الشاعر والأديب والإنسان العراقي وليس فوزي وكيل وزارة الثقافة فالمناصب لا تضيف للمبدع أي وجاهة أو دالة سوى استخدام المنصب لخدمة المثقفين والثقافة وأنا رصدت الاتروشي منذ أكثر من عام عندما كان يتردد على مقهى الشابندر في اغلب أيام الجمع ويشاطر جلساء الشابندر ويختلط بهم ويتبادل معهم الآراء والأفكار إضافة إلى مشاركاته في سجالات ومناقشات منتدى المدى الذي يقام كل يوم جمعة وجولاته مشيا على الأقدام ومن دون أي حراسات وحمايات متنقلا بين فعاليات المركز الثقافي والقشلة وأكاد اجزم انه المسؤول الحكومي الوحيد الذي يتجول ويتحرك ويختلط من دون أي غطاء امني أو مفتعل فعلى سجيته وتواضعه وكياسته أحبه الناس والمثقفون والأدباء والصحفيون وكنت ارقبه عن كثب وهو يستمع إلى هذا الطلب وذاك وتلك المشكلة ويفك عسر بعضهم ويمد يد المساعدة والعون لمن يطلب أو لا يطلب بل واعرف عددا من الصحفيين والكتاب كانوا يزورون الاتروشي في مكتبه بوزارة الثقافة ولا يغادرون إلا بعد تكريمهم ورعايتهم من دون أي منة وفضل!
وصف الحاج محمد الخشالي تحركات الاتروشي ومساهماته في المتنبي والقشلة والشابندر بأنه "وزارة ثقافة جوالة"!
والواقع لم أرَ شخصيا مسؤولا في وزارة الثقافة عدا الاتروشي وجمال العتابي قبل أن يتقاعد ومهند الدليمي زوارا مدمنين للمتنبي وفعالياته ونشاطاته وهي ظاهرة ممتعة تبعث على الراحة والسلام وذروة في التواضع والاندماج العضوي بين المسؤول "الثقافي" – إن صح التعبير – والمثقف!
لا أنسى موقف الاتروشي الرائع من استئناف صدور مجلة "ألف باء" فقد سارع في الساعات الأولى من صدور العدد الأول إلى إرسال موظف من مكتبه الخاص يحمل لنا باقة ورد طبيعية وتهنئة بــإعادة إصدار المجلة وهي مشاعر نادرا ما نعثر عليها في وسطنا الصحفي والمثقف و"المتثاقف"!
بصراحة يمكنني القول - وهذا انطباع اغلب رواد الشابندر والمتنبي والقشلة والمركز الثقافي ومنتدى المدى – إن الأستاذ فوزي الاتروشي ظاهرة "ثقافية" نادرة في وزارة الثقافة فالرجل جمع بذكاء ودهاء بين واجبات المسؤول وإبداعات المبدع من دون تمثيل واصطناع فهو طبيعي جدا وصريح جدا مع الآخرين من المواطنين العاديين والمثقفين.. يتعامل بروحية البغدادي وقوة الشخصية الكردية وحزم المسؤول وتواضع المبدع..
وبالرغم من دواوينه الشعرية والكتب النقدية التي تناولت شعره بالدراسة فقد ترك الرجل مسافة بينه وبين مريدي الأدب حتى لا يترك لذوي النفوس الضعيفة تأويلا وتجريحا يمس قداسة إبداعاته الشخصية..
فوزي الاتروشي ترك شئنا أم أبينا بصمة عميقة في وجدان المثقف العراقي ومن الإنصاف الإشارة إليه وتقييم جهوده فالرجل في نهاية المطاف – كما علق الخشالي – "وزارة ثقافة متنقلة"!
مقالات اخرى للكاتب