قرار الحكومة العراقية بخصخصة قطاع صيانة وتوزيع وجباية الطاقة الكهربائية عملاً بمبدأ إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام والذي تبنته الحكومة بسياستها الإصلاحية فيه الكثير من الايجابيات والنتائج المرجوة لتنشيط الاقتصاد العراقي الذي يعاني من الخمول والركود, ولكن بنفس الوقت لايخلو من السلبيات التي يجب الانتباه لها ونرى من واجبنا الاعلامي والوطني أن نسلط الضوء على البعض منها وخاصة ان المشروع لايزال في بداياته الأولى عسى أن ينتبه لها أصحاب القرار في الحكومة ووزارة الكهرباء.
ان ملخص المشروع الذي بدأت خطواته الأولى في هذه الأيام هو أن يتم فتح الأبواب أمام جميع الشركات الراغبة من القطاع الخاص بالتقديم وإبداء رغبتها واهتمامها بالحصول على فرصة في مشروع تشغيل وصيانة شبكة التوزيع الوطنية وتنظيم الجباية وبآليات تم وضعها وسيتم تقييم وفرز الطلبات وبعدها تتم الإحالة على الشركات الفائزة وسيكون واجبها القيام بعمليات الصيانة العامة على الشبكة بجميع تفاصيلها عدا الكبيرة منها والتي ستكون من مسؤولية الوزارة وكذلك تقوم الشركة بتوزيع الكهرباء على المواطنين طوال 24 ساعة وبعدها جباية الأموال شهرياً وليس كما كان معمولاً به حيث كانت الجباية كل شهرين, وكل هذه الخدمات التي ستقوم بها الشركة المنفذة نيابة عن وزارة الكهرباء تكون مقابل حصولها على نسبة تقارب 13% من المبالغ التي يتم جبايتها,أما التعرفة الجديدة والتي ستقوم بإصدارها وزارة الكهرباء بالاتفاق مع الشركات المنفذة فستكون تصاعدية أي ان مبلغ الفاتورة سيكون المتحكم الوحيد فيه هو المستهلك فكلما زاد استهلاكه كلما تصاعد المبلغ وتضاعف وكلما قام بترشيد الاستهلاك كلما كانت فاتورته مناسبة ومعقولة,وسيسبق عملية التنفيذ خطوة مهمة وهي أن تقوم وزارة الكهرباء بتأهيل وتهيئة الشبكة الوطنية بشكل عام وذلك بإصلاح كافة الأعطال ونقاط الضعف واكمال نصب العدادات لجميع المستهلكين بحيث يتم تسليم كل قاطع الى الشركة المنفذة بصورة تكون جاهزة لديمومة الكهرباء الوطنية طوال 24 ساعة وبشكل مستمر.
الايجابيات في هذه الخطوة كثيرة ولجميع الأطراف منها ان المواطن سينعم بحالة استقرار التيار الكهربائي بشكل مستمر وهذا مالم يحدث منذ عام 2003 ولحد الآن وسيؤثر ذلك بالنتيجة على تحسن ملموس في نشاط معظم القطاعات الاقتصادية وخاصة الصناعية منها,وسيتخلص المواطن من حجم الأعطال الكبيرة الموجودة في الشبكة والتي عانى منها الأمرين, وكذلك ستنتج من جراء تنفيذ هذا المشروع التخلص بشكل نهائي من ظاهرة انتشار المولدات الأهلية وجشع أصحابها وتأثيراتها البيئية الخطيرة وستنتهي ظاهرة شبكات أسلاك السحب العنكبوتية التي ملأت شوارعنا والمليئة بمخاطرها على حياة المواطن والتي شوهت جمالية شوارعنا وأحيائنا السكنية,وكذلك سيتحقق مبدأ ترشيد استهلاك الطاقة في عموم الشبكة الوطنية والذي سيؤدي الى ضمان ديمومة عملية التجهيز طوال 24 ساعة,والأمر الايجابي الآخر هو ان القطاع الخاص سيشهد دفعة كبيرة من النشاط في وقت يشهد فيه الاقتصاد العراقي بشكل عام من حالة خمول وركود حيث ستتوفر الآلاف من فرص العمل الجديدة لشبابنا العاطل عن العمل,لأن المشروع كبير ويشمل جميع أجزاء العراق وستحتاج كل شركة منفذة لعشرات المهندسين والموظفين والفنيين والعمال لكي تتمكن من تنفيذ العقد حسب الشروط
الموضوعة من الوزارة,وبالنتيجة سينعكس ذلك على حركة السوق بشكل عام وسيؤدي الى تنشيط مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد.
أما السلبيات التي تم تشخيصها في هذا القرار فهي عديدة ومنها ان المشروع دخل في الخطوات الأولى للتنفيذ دون أية حملة إعلامية واسعة لتثقيف المواطن العراقي بتفاصيله وآلياته وهو مشروع جديد وغريب على مجتمعنا وبالتالي فانه يحتاج الى جهد إعلامي كبير عبر جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وعبر وسائل الاتصالات الألكترونية وعبر مؤسسات الدولة جميعها لشرح مضامينه وآليات تطبيقه والغاية منه والأهداف المرجوة منه لكي يفهم المواطن الأمر لأنه هو الحلقة الأساسية في هذا المشروع ونحتاج الى تعاونه الكامل لإنجاح هذا المشروع الوطني لأنه اذا أدرك ثقافة ترشيد الاستهلاك بشكلها الصحيح وفوائدها التي سيجنيها منها ولو فهم مدى التأثيرات السلبية للتجاوزات الحاصلة على الشبكة سيكون دوره كبيراً في التعاون مع الجميع لإنجاح العمل,والجانب السلبي الآخر في اعتقادي وحسب اطلاعي على تفاصيل هذا المشروع ان رئاسة الوزراء ألزمت وزارة الكهرباء بعدم منح أي شركة خاصة فرصة للعمل الا أن يكون الحد الأدنى لعدد المستهلكين لقاطع مسؤوليتها هو 100 ألف مستهلك وهذا الرقم يحتاج الى المراجعة لأن نتائج تطبيقه سيولد سلبيات كبيرة منها ان عدد الشركات التي ستحصل على فرصة التنفيذ قليلة وسيتم حرمان المئات من الشركات الأخرى من هذه الفرصة في العمل لضمان ديمومتها واستمرار منتسبيها في العمل, لأنه بمثال بسيط لو أخذنا منطقة الكرخ بكاملها والتي تمثل نصف العاصمة بغداد تقريباً فانها تضم حوالي 430 ألف مستهلك أي انه سيكون عدد الشركات المنفذة في الكرخ بالكامل أربعة شركات فقط ناهيك عن النتائج التي سنجنيها من الشركات عند التنفيذ ستكون أقل جودة وكفاءة لكبر الرقعة الجغرافية ولارتفاع عدد المستهلكين, أما لو تم تخفيض هذا الرقم فانه سنضمن الدقة والكفاءة في العمل وكذلك سنضمن إشراك أكبر عدد ممكن من شركات القطاع الخاص التي تعاني من شبه توقف في أعمالها.
ختاماً نتمنى لهذه التجربة الجديدة النجاح الكامل وأن يجني المواطن العراقي نتائج نجاحها بشكل ملموس وأن يتعاون مع الشركات المنفذة ويساعدها على النجاح ونأمل من جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية أن تقدم جميع أنواع الدعم والتعاون مع الشركات المنفذة في تفاصيل عملها الذي سيكون مليئاً بالمصاعب والمشاكل لأنها ستأخذ دور الحكومة في التعامل المباشر مع المواطن دون امتلاكها للصلاحيات القانونية الكافية لتطبيق المشروع وازالة التجاوزات الكثيرة على الشبكة والتي عجزت الحكومة بكل امكانياتها وسلطاتها القانونية من ازالتها وايقافها.
مقالات اخرى للكاتب