منذ أن قال السيد محمد باقر الصدر رحمه الله عبارته المشهورة ((لو كان إصبعي بعثيا" لقطعته)) نتيجة" لإختلاف منهجه الفكري والعقائدي مع منهج وأفكار حزب البعث إنتشرت هذه المقولة الصارخة في أدبيات وأفكار ونهج حزب الدعوة كالنار في الهشيم وأصبحت هذه العبارة من أدبيات الحزب وبدأ التثقيف بمضمونها وأبعادها يأخذ حيزا"واسعا" ضمن تنظيمات حزب الدعوة بإعتبار أن السيد محمد باقر الصدر أحد منظري ومؤسسي الحزب وهو من أطلق تسمية حزب الدعوة الإسلامية عند إنطلاقته في الساحة العراقية عام 1959، واتخذ أعضاء حزب الدعوة من هذه العبارة لاحقا" منهجا"وتثقيفا" في صفوف المجتمع لإثارة وتأجيج روح النضال والكفاح ضد حزب البعث (بعد تسلم الأخير للسلطة في تموز 1968) ولكسب وضم الكثير من العناصر الشابة لصفوفه بالرغم من كون السيد محمد باقر الصدر رحمه الله قد أعلن صراحة" علنا"جهارا "نهارا" إنسحابه من حزب الدعوة في العام 1960 مع بعض القيادات الدينية وطلب من أتباعه ومريديه كذلك الإنسحاب من صفوف حزب الدعوة بعد قيامه بمراجعة نقدية شاملة لمسيرة الحزب وتوجهاتها المستقبلية وتوصله إلى نتيجة حتمية مفادها أن الحزب أخذ يتجه نحو الحزبية المحضة والمنفعة الشخصية والذاتية الدنيوية بعيدا" عن الأهداف الرسالية في الدعوة إلى الإسلام وبناء المجتمع العقائدي الإسلامي وصولا" إلى تعميق البعد الثقافي والتربوي والسياسي للمجتمع ومن ثم الإنطلاق نحو بناء الدولة الإسلامية الكبرى التي لاتحدها أي حدود جغرافية بعد أن كان الإستدلال الشرعى له بآية الشورى وأمثالها حيث ثبت بطلانه عنده ، وعزز ذلك المرجع الديني الأعلى في النجف وقتذاك السيد محسن الحكيم الذي طلب من ولديه محمد مهدي الحكيم ومحمد باقر الحكيم وكذلك مقلديه ووكلاءه الإنسحاب من الحزب .
لايخفى على القاصي والداني الأهمية والمكانة العلمية والدينية والثقافية بل وحتى الاقتصادية لفكر السيد محمد باقر الصدر والتي تتجلى في دراساته وكتبه ومؤلفاته التي هي نتاج علمه وجهده ،لذا فأن الإستقراءات الاولية التي توصل إليها السيد محمد باقر الصدر عن إنحراف مسار وتوجهات حزب الدعوة منذ بداياته عام 1960 لم تأتي من فراغ أو مجرد تحليل وإنما من خلال الأفكار التي لمسها لدى البعض من قيادات الحزب وخاصة ممن كانوا من خارج الحوزة وممن ليسوا رجال دين ومحاولتهم الإنفراد في القيادة بعيدا"عن الأسس المنهجية للحزب في الدعوة للإسلام وبناء المجتمع الإسلامي الصحيح وتحصين الشباب المسلم في مواجهة المد الشيوعي والعلماني الذي ساد وأنتشر في منتصف القرن المنصرم بين الشباب العراقي ومحاولة تلك القيادات إفراغ الحزب من محتواه الحقيقي والسير بخط سياسي محض يسعى للسلطة والحكم والمناصب بعيدا" عن المنهج الفكري الحقيقي للحزب ، لقد كان السيد محمد باقر الصدر ومن معه أمثال السيد طالب الرفاعي يسعون إلى مشروع إستشهادا بأفكارهم ونهجهم إلا أنهم وجدوا في السياسة مشروع حياة وتسلط وليس موت فآثروا على أنفسهم الإنسحاب من الحزب .
وبقليل من التأمل نجد أنه وبعد مايناهز 55 عاما" على المراجعة الشاملة لنهج حزب الدعوة من قبل السيد محمد باقر الصدر نصل إلى حقيقة مفادها أن السيد الصدر بعقليته العلمية والفكرية توصل إلى أن القيادات التي شاركته تأسيس الحزب من خارج الحوزة ورجال الدين كانوا يطمعون ويطمحون بالوصول الى السلطة والنفوذ والسيطرة على مقدرات البلد وموارده والإنفراد بالحكم في الوقت الذي يعلم بأن هذه القيادات لم تكن مؤهلة لقيادة دولة والنهوض بواقع المجتمع بكل نواحيه السياسية والاقتصادية والثقافية والصحية وقتذاك ، وهذا ما صدقت عليه نظرة السيد الصدر في حال العراق اليوم بعد 13 عاما من سيطرة حزب الدعوة على مقاليد الحكم والسلطة في العراق ولازالوا غير مؤهلين للقيادة والحكم .
نقول إن السيد محمد باقر الصدر لو كان حيا" في الوقت الحاضر لكان لسان حاله يقول (( لو كان إصبعي دعوجيا" لقطعته)) ، وهو يرى قيادات وعناصر حزب الدعوة التي إتخذت من إسمه وأفكاره قميص عثمان في جميع محافلهم النضالية الزائفة وهم يضعون أيديهم بأيدي المحتل الامريكي ويتسلطون على رقاب أبناء جلدتهم ، تعبيرا"عن رفضه وإستغرابه وتبرأه من فكر ونهج وتطلعات هذا الحزب التي أصبحت شاذه خالية من كل القيم والمعايير السياسية والإسلامية والإنسانية ولسعى الكثير من السياسيين وكثيرا" من الكتل والأحزاب الإسلاموية في الوقت الحاضر وفي مقدمتهم حزب الدعوة ومليشياتهم إلى قتله والتخلص من أفكاره ومنهجه لكونه لايتوائم ومنهجهم في التسلط والتفرد بالسلطة والحكم والإ كيف يفسر قادة حزب الدعوة لنا وللناس وبالذات للسيد محمد باقر الصدر توجههم مسعورين نحو سرقة ونهب الأموال والممتلكات والمقدرات العراقية وسعيهم لمليء خزائنهم بأموال السحت الحرام من أموال شعب العراق ، بل الأدهى من ذلك ذهبوا إلى مساندة ومعاضدة حزب البعث في سوريا ومده بكل وسائل الدعم التي تدفعه لقتل شعبه وهو نفس فكر حزب البعث في العراق ومنبثق من نفس منظريه ومؤسسيه وقائم على نفس المبادىء والأهداف فلماذا لم يقطعوا أيديهم وليس فقط أصابعهم وهي تمتد لمؤازرة حزب البعث في سوريا بمباركة مرجعية قم وأين ذهبت عنهم عبارة السيد محمد باقر الصدر، في الوقت الذي حاربوا فيه حزب البعث في العراق ويسعون في الوقت الراهن لانتزاع قرار تحت قبة البرلمان الهزيل ينص على حظر حزب البعث في العراق ومنع عناصره من تولي أية مسؤوليات حكومية ، ثم نسأل هل أصبح حزب الدعوة الإسلامية اليوم مكتفيا" بقياداته وعناصره الحالية وأصبح من الأحزاب المغلقة التي لاتسعى إلى كسب عناصر جديدة وضمها إلى صفوفه لتجديد دم ونشاط الحزب بحيث لم نشهد أي إنتماء لشباب العراق الجديد بعد العام 2003 لصفوف الحزب ولم يعلن الحزب عن زيادة قاعدته الجماهيرية في العراق نتيجة تهافت الشباب العراقي للإنضمام إليه ،أم أصبح أسم حزب الدعوة والإنتماء إليه سبة" وشتيمة" في أوساط المجتمع العراقي لارتباطه بالسرقة والقتل وإنتهاك القانون في دولة كانت تعرف بأنها دولة القانون، وهل ضحى السيد الصدر ومن معه ومن قبله من قيادات حزب الدعوة في سبيل وصول نوري المالكي لسدة الحكم ليصبح الأمين العام للحزب ويتفرد بمقدرات العراق بعد أن كان يردد هو وإبراهيم الجعفري ومن على شاكلتهما (( ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزا"عظيما )).
أي إسلام هذا التي ربطتم إسمه بأسم حزبكم وأي فكر تحملون وأنتم تذبحون العراق وشعبه.
حفظ الله العراق وشعبه.
مقالات اخرى للكاتب