من كان لديه شك في ان المتقاعد في العراق هو مواطن .. واطئ الرتبة .. كانت له مناسبة اليوم ليبدد شكه .فاليوم ذهب المتقاعدون الى المصارف أو المنافذ التي تصرف رواتب المتقاعدين عن طريق البطاقة الذكية , ليتلقوا طعنة في صميم آمالهم الكبيرة التي وضعوها في ماتجود به عليهم دولتهم كل شهرين , والآمال هذه المرة كانت منتعشة بسبب المنحة التي أقرتها الحكومة واعلن انها سوف تصرف باثر رجعي . في الواقع , كان الأجدر بالمتقاعدين ان لايفرحوا بالمنحة واثرها الرجعي بل كان عليهم ان يستشعروا نحسا , لأنهم في العراق .
حين اكتشف المتقاعدون المنتشون برائحة جائزة صبرهم لمدة شهرين وفوقها علاوة لابأس بها . ان بطاقاتهم الذكية اقفلت ولاسبيل لفتحها الا بمراجعة المصارف توجهوا الى من يشتت مخاوفهم ويبشرهم بان الفرج قريب ولن يطول انتظارهم اكثر من يوم او يومين في حد اقصى , تلقوا طعنة اخرى مهينة , فلا بطاقات يمكن ان تفتح اقفالها ولا امل بفتح قريب ونصر من الله ولكن بامكانهم ان يعودوا في اليوم الحادي والعشرين من شهرنا هذا ليسألوا عن سبب اغلاق اقفال بطاقاتهم . ربما هذا هو الأسلوب الحضاري الجديد الذي يتلاءم مع ذكاء بطاقة صرف رواتب المتقاعدين .. مواعيد للسؤال فقط , انتظار جديد ولكن لشيء مجهول , فماذا بعد السؤال ؟ لا احد يعرف , وليس بمقدور احد اليوم ان يعرف , حتى من يعملون في المصارف .. المصارف التي تشبه السوق الشعبي للخضار حيث الاصوات العالية المتداخلة للرجال والنساء , والتزاحم والتدافع بالمناكب والأرداف , وحيث موظفات المصرف بعضهن منشغلات بتناول فطورهن واخريات , في قسم البطاقة الذكية , جلبن اكياس ممتلئة بالباقلاء ليشغلن وقتهن .. " بالتفليس " , فهو افضل من الجلوس بدون عمل وهو ما يعرفنه حقا .
لكن يبدو ان شؤون المتقاعدين في العراق معقدة دائما ولايمكن التعامل معها الا بحذر من يمشي فوق البيض . فالبطاقة الذكية حين تغلق اقفالها لا يمكن ان يعرف السبب قبل الأنتظار خمسة عشر يوما بعدها يمكن السؤال كيف ومتى .. اما التفكير باي زيادة على راتب المتقاعد , فتلك مسألة لصعوبتها تثير جدلا كبيرا في مجلس النواب وتتطلب دراسة وبحثا دقيقا قبل ان تحسم لها نهاية لأنها مرتبطة بقوانين واتفاقيات دولية .
وبين البطاقات الذكية والأتفاقيات الدولية سيواجه المتقاعد خيبات امل كثيرة عليه ان يكون مستعدا لها . ولأنه لايستطيع ان ينظر دائما الى الخلف ويتذكر بفخر وبحسرة رحلة عمر شاقة خدم بها بلده , ولا يمكنه ان يستسلم لأحلام تاخذه بعيدا , عليه أن يظل كما هو الان , كائن يعيش على هامش حركة الحياة يلوك الصبر الذي الف طعمه وعشرته , وينتظر.
مقالات اخرى للكاتب