توطئة:
على الرغم من التطور الكبير في حركة التاريخ الفكري والإنساني، لا يزال الفكر الوهابي يعيش حالة متردية من الانغلاق الفكري والحضاري، تعبر عن المستويات الدنيا في إنحطاط الوعي بحقيقة الرسالة الإسلامية كرسالة سماوية تحمل في طياتها جانباً كبيراً من البعد الحضاري الإنساني. فالفكر الوهابي يعاني من عدم قدرته على فهم الواقع الحضاري للتاريخ والتراث الإسلامي، كما يفتقد القدرة على التجاوب مع متغيرات حركة التاريخ.
لا شك ان طبيعة منشأ الفكر السلفي في بيئة بدوية صحراوية تفتقر لمعالم الحضارة، قد اثر كثيراً في منهجه ومساراته، فبقي يعاني الإنغلاق على الذات، وهذا ما أوجد الحاجة للصراع لفرض موقفه مع علمه بجدب مصادره وعدم قدرته على تقديم بديل حضاري في عملية الصراع.
الفكر السلفي يعيش حالة من السبات والركود إمتدت لقرابة سبعة قرون عجاف وكان لابن تيمية (728 هـ)، دور في نشر التردي الفكري لانغلاق رؤيته ومحدودية منهجه في التعاطي مع مفردات الحياة.
نحن في هذا البحث نحاول تسليط الضوء على الاشكال المنهجية الذي تتبعها النظرية السلفية في تهديم التراث الاسلامي إبتداء من تغيير معالم المدينة الاسلامية إلى التعمد بمحو الشخصية الاسلامية الحضارية ومحاولة تقديم شخصية إسلامية هزيلة وغير عاقلة ولا تتعامل بالمنطق كما لاتتبع المنهج الحضاري والأصول الاسلامية التي نادت بها الرسالات السماوية.
في جوانب من سيرة حجر بن عدي الكندي:
هو حجر بن عدي الكندي، كان من كبار صحابة رسول الله صلوات الله عليه وآله ومن حواري أمير المؤمنين عليه السلام،(1) وكان يعرف براهب الصحابة، (2) وكان باراً بأمه محباً لها (3) فارسا قائداً فتح العراق وإيران والشام وفي القادسية كان قائد الميسرة، وشارك في معرك فتح المدائن وجلولاء (كان قائد الميمنة)، وخانقين، وفتح الشام وكان هو من فتح مرج عذراء. (4)
كان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام قد اخبر حوارييه بموت جماعة منهم قتلا وصلباَ وهم: حجر بن عدي الكندي، ورشيد الهجري، وكميل بن زياد النخعي، وميثم التمار، ومحمد بن أكثم، وخالد بن مسعود، وحبيب بن مظاهر الاسدي، وجويرية، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وقنبر (مولى امير المؤمنين)، ومزرع، وغيرهم. (5)
وقد قتله معاوية في صفر سنة (51 هـ)، بسبب رفضه لعن الامام علي بن أبي طالب والتبرء منه. (6)
تهديم التراث الاسلامي نزعة أم منهج:
وفق نظرية التحدي والإستجابة تظهر إشكاليات في فهم علاقة التراث بصيرورة الأمة الإسلامية وقدرتها على الإستمرار. على إعتبار ان التراث الحضاري لكل أمة يعبر عن أصالتها الوجودية، والتكوينية، وحين تقرر الامة التخلي عن هويتها الحضارية فإنها تتخلى عن أصالتها الفكرية والروحية، لانها ستواجه ذلك الإستلاب الحضاري لصيرورتها.
ان النزعة نحو الجمود والإنغلاق الفكري والعقائدي يعبر عن خوف مرضي من مواجهة الواقع، وهو يشبه إلى حد كبير مرض التوحد (Autisms)، فالمجتمع السلفي يعاني من الإعاقة في عدم قدرته على التعاطي مع الواقع، وحين يحدث ذلك فان هذا النوع من المجتمعات سيلجأ للعنف للتعبير عن ذاته ولايجاد فرصة للخروج من كم الازمات التي خلقها بنفسه بسبب حالة الإنغلاق التي عاشها لسبعة قرون من التردي الفكري والنفسي. فالفكر السلفي في صراع مستمر مع الواقع، وهو يرفض عملية التقدم الحضاري وبالتالي فهو لا يستجيب لعناصر التغيير.
من هنا نلاحظ انه هناك ثمة منهج تم ترسيخة خلال سبعة قرون من التردي والإنحطاط الفكري يقوم على مواجهة الواقع في عملية الصراع والتصدي لكل ما هو عقلاني وحضاري تحت حجة التشبث بالماضي بكل سلبياته في تحدي لكل إيجابيات النظرية الإسلامية التي قادها الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله منذ خمسة عشر قرنا.
منهجية التدمير:
أولاً: التشكيك بأصالة العقيدة الإسلامية: من خلال طرح العديد من الأحاديث والروايات التي من شأنها إعادة تشكيل العقيدة وفق المسار السلفي.
ثانياً: الوقوف ضد أهل البيت عليهم السلام، وإعادة تمجيد الفكر الأموي، من خلال إستعمال المال والإعلام المسير والمزيف.
ثالثاً: التعمد المنهجي لتدمير التراث الاسلامي، في مكة والمدينة وفي كل مكان في العالم، فقد تم تدمير اكثر من 98% من تراث الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله وتراث أهل بيته، وتاريخهم وتاريخ الصحابة، فلم يبقى إلا الكعبة المشرفة وقبر الرسول الخاتم، صلوات الله عليه وآله، وحتى هذه المعالم التي تعبر عن العقيدة الاسلامية هي الان تحت خطر التهديم بحجة تطوير الحرمين، فالكعبة محاطة بالابنية الشاهقة التي اخفت معالمها تماماً وقبر النبي (ص) يمكن أن يهدم في أي وقت تحت حجج واهية. (7)
رابعاً: التأسيس لرؤية عقائدية تقدم الإسلام كفكر يقوم على الصراع بدلاً من التقدم الحضاري، ويتم التركيز على قضية الجهاد بدون تقديم الرؤية العقائدية الرصينة حول هذا الموقف.
خامساً: تعمد إهانة الشخصيات الإسلامية التي عرفت بمقاومتها للظلم الأموي، ولعل ابرز هذا الشخصيات التي تم العرض لها في الوقت الحاضر شخصية حجر بن عدي الكندي، الذي يعبر عن الشخصية المقاومة والمناضلة ضد الظلم، وهو يذكرهم بالشخصيات المعاصرة في حزب الله. وهم بتدميرهم لضريح حجر ومحاولات نبش قبره إنما يعبرون عن نوع من الإنتقام التاريخي للفكر السلفي، ولبني أمية الذي يعتبرونهم قدوتهم في عملية الصراع ضد أهل البيت عليهم السلام. فحجر بن عدي هو واحد من أكثر الشخصيات التي قاومت الفكر السلفي الوضعي في العهد الاموي، وهو في ذات الوقت يمثل أنموذجاً واقعياً لفلسفة أمير المؤمنين عليه السلام في مواجهة الظلم.
سادساً: يعيش الفكر السلفي أزمة نفسية وتاريخية عنيفة يحاول أتباعه تبريرها بتكفير كل من يخالفهم، وهم يرفضون تفسيرها زمنياَ ويحاولون الإيحاء بوجودها في أصل العقيدة لكنهم يفتقرون للأدلة التاريخية والعقيدية في ذات الوقت، ولهذا تراهم يسارعون لتكفير غيرهم.
سابعاً: إعتماد تفسير وحيد للجهاد لا يتحقق إلا بقتل الآخر، والتضييق في قضية التوحيد مما يؤدي إلى خلق واقع غير حقيقي يفتقر للأمن والسلم والقدرة على التعايش.
لماذا حجر بن عدي الكندي؟
تكمن إشكاليات الفكر السلفي الوهابي في الصراع مع شخصيات التاريخ الإسلامي من طبقة حجر بن عدي وعمار بن ياسر والمقداد وأبو ذر وميثم التمار ورشيد الهجري وكل هذه القافلة من الابطال، في عنوانين:
الأول: هو ان هؤلاء كانوا من المحسوبين على خط الإمام علي عليه السلام، والكثير منهم من حوارييه وكبار اصحابه. وبالتالي هم لا يمثلون الفكر السلفي بل يقدمون الشخصية الإسلامية الحضارية في تفاعلها مع مفردات الحياة. حجر وأصحابه كانوا علماء عقائديين، كرسوا الموقف الرسالي بإتباعهم الإمام على عليه السلام.
الثاني: أن حجر بن عدي الكندي كان قائداً عسكرياً وهو من أبطال الإسلام وقد وضحت بصماته في كل الحروب والمعارك التي خاضها، وبالتالي هذه الشخصية تقدم مفهوماً أصيلا للمقاومة و الجهاد يتناقض مع المفهوم السلبي الذي يصر الفكر السلفي الوهابي على تقديمه يومياً في صراعه مع من يخالف نظرياته الجامدة.
من هنا يتضح أن الصراع مع حجر ممثلاً بمهاجمة ضريحة وتدميره ومحاولة نبش قبره إنما هو صراع مع الفكر الرسالي الحضاري الذي تبناه حجر بن عدي، لا شك أنه صراعاً أيديولوجياً يعبر عن حجم التناقض التاريخي الذي يعيشه الفكر السلفي، كما يعكس حجم الأزمة التي يمر بها. فالفكر السلفي يفتقر إلى الإجتهاد الذي تخلى عنه منذ وفاة أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) وبالتالي ليس هناك أي تطور موضوعي في رؤيته لعناصر الحياة وتطورها.
فعلى مسار سبعة قرون حاول أتباع إبن تيمية إحتكار النظريات الإسلامية، وإحتكار الموقف الإسلامي من الحياة وعملية الصراع وتقديم منظور سلبي لقضية الجهاد، ولما كان حجراً واصحابه، يمثلون الأصالة في كل المفاهيم الإسلامية وهو يقف على النقيض من طروحات الفكر السلفي الذي يمثل العقيدة الجاهلية، فان اتباع ابن تيمية يرون تهديم قبره إنتصاراً لرجعيتهم ونظرتهم الماضوية.
عقيدة دينية أم سياسة؟
أن ما يقدم في الوقت المعاصر بإعتباره صراعاً دينياً بين الفكر السلفي الرجعي، والفكر الإسلامي الحضاري الذي يقوده أتباع أهل البيت عليهم السلام، تختفي في طياته الكثير من الرؤى السياسية، فلا يمكن تبرئة إسرائيل من عملية الصراع، كما لا يمكن تبرئتها التراكم السلبي لحركة التاريخ المعاصر، والصراع قد إنحرف عن إتجاهاته الحوارية التي كانت سائدة في عصور المتكلمين، حيث كان لعلماء الكلام من الطرفين سجالات أغنت التاريخ الإسلامي، في حين حاول الفكر السلفي سحب الموقف الديني بإتجاه الصراع السياسي معتمداً على تغذية عملية الصراع بالمال السياسي وبالمواقف السلبية للقوى الدولية إبتداء من الولايات المتحدة التي كرست هذا الصراع منذ 11/9/2001م بمفهوم محاربة الإرهاب لتستعمل ذات الإرهاب السلفي في عملية الصراع منذ ان ساعدت على أنشاء حركة طالبان، كما أنشأت المخابرات البريطانية الحركة الوهابية في ارض الجزيرة قبل اكثر من مائتي عام.
لا شك انه صراع سياسي تم إلباسه اللباس الإسلامي لتحقيق معادلة ضرب الكيانات الإسلامية بعضها بالبعض الآخر، ولتدمير العلاقات الإسلامية البينية وبالتالي التخلص من الإسلام الأصيل، كمنافس حقيقي للصهيونية المعاصرة. فالقاعدة وطالبان والأخوان كلها مفردات تم التحضير لها في مطابخ المخابرات الأمريكية البريطانية، وكلها تعمل لهدف واحد هو تدمير الإسلام المحمدي، إسلام أهل البيت عليهم السلام، وإسلام الفكر المقاوم فكر حجر بن عدي الكندي وأصحابه.
في الخاتمة لابد من الدعوة لتشكيل لجان متخصصة تعمل على حماية التراث الإسلامي من العبث بإعتباره تراث لكل الإنسانية، ولارتباط هذه التراث بالمفهوم الحضاري والقيمي، بعيداً عن المنظور الديني، ونحن ندعو لإعادة بحث طلباتنا المقدمة للأمم المتحدة وللمنظمات الدولية ولليونسكو بسحب صلاحيات حماية ورعاية الأماكن المقدسة في الجزيرة العربية ووضعها تحت الحماية الدولية لعدم ثقة شعوب الأمة الإسلامية بالحكام في شبه الجزيرة العربية من آل سعود وغيرهم.
كما ندعو اليونسكو لتسجيل كافة المواقع الإسلامية في العراق وسوريا وشبه الجزيرة العربية وإيران وتركيا والباكستان وأفغانستان لتكون تحت الحماية الدولية، كما نقترح أن تقوم لجان علمية متخصصة في التاريخ الإسلامي والآثار والتراث لإعادة دراسة هذه الاثار وتصويرها وتسجيلها وتقييمها من الناحية التاريخية والفنية سعياً وراء حمايتها دولياً.
مقالات اخرى للكاتب