Sometimes it takes a long time. Please wait...
|
الصيني المعجزة |
الأحد, أيار 11, 2014
ابراهيم حسيب
|
كلما التقيت صينيا أتفحصه بريبة وتدقيق وبشيء من الحسد والغيرة. ألاقيهم في المطارات، وعلى أرصفة التسوق الشعبي، وفي الأماكن التي يكثر فيها البؤس. مخلوقات لطيفة، وترفة الرقة مثل الفراشات، وصبورة مثل السلاحف. لم التق بالصيني المعجزة أبدا. لم أر فيهم ما يبرر الذي فعلوه بالعالم كله. تاجرهم يشبه بائع السمك، ومهندسهم يشبه نادل المقهى، والسياسي منهم لا يزيد بقيراط عن عامل النظافة. في يوم من الأيام حبسنا الطقس السيء في صالة انتظار بمطار برلين. التفتُّ إلى رجل يجلس بجواري، وكان من تلك الأمة الوديعة، وسألته إن كان يشعر مثلي بالقلق فرد بان الأمر لا يستحق هذا، فعدتّ لأسأله عن مصدر ثقته والدنيا مقلوبة في الخارج فقال لي: ـ أنا صيني. قلت بسخرية: ـ وهل الحصول على الجنسية الصينية يزيل القلق ويجلب الراحة النفسية؟ رد بحزم: ـ بالطبع لا.. لن يحدث هذا إلا إذا كنت من أبوين صينيين. صفنت قليلا وسألته عن عمله فرد مبتسما: ـ أنا وزير التجارة. استدرت بحركة تفخيم، وتبشبش وجهي، وانحل تجهمي، وتبخر تذمري، ولكن هيئة الرجل لم تكن مقنعة. فهو بمفرده وأنعم من حبة البامياء، وأنا أكثر منه أناقة بالكجول الذي أرتديه. سألته عن حجم التبادل التجاري بين الصين والعراق، فأجاب كأنه كومبيوتر، ويبدو انه لمس شكوكي، فأخذ يمدني بتصوراته عن السنوات القادمة والخطط الكفيلة بإنعاش التعاون. سألته: ـ سيادة الوزير، كم استغرق جهدكم من وقت حتى وصلتم إلى قدرة ملء العالم كله بصناعتكم وبضائعكم، ومن هو العبقري الذي خطط لهذا وكيف نجحتم؟ نظر لي باستغراب وقال: ـ نحن هكذا منذ آلاف السنين. لا احد خطط أو فكر. ـ كيف هذا؟! ـ نحن صينيون! ـ ماذا يعني هذا.. الألمان ألمان أيضا؟! بقيت الحيرة تلبس وجهه ورد موضحا: ـ منذ آلاف السنين ونحن هكذا.. بضائعنا تغزو العالم. لا أحد منا أوقف الزمن، ولا أحد منا كف عن العمل. عشنا كصينيين طوال التاريخ. صفنت مجددا، وقلت وكأنني تذكرت شيئا غاب في النسيان: ـ نحن أيضا نملك آلاف السنين! إلتفتُّ إلى الوزير الصيني فوجدته قد أغلق جفنيه باطمئنان. كان ذلك أول وزير اسمعه يشخر.
مقالات اخرى للكاتب
|