في بلاد الثلوج . . . . .
يستقبلونك بالأحضان وكأنك أبنهم المفقود وها انت ترجع اليهم بعد طول غياب . . . يؤونك ويلملمون شتاتك ويسكنوك مسكن لائق ويغدقون عليك بكل الخدمات الأنسانية . . . لا شيء يربطهم بك . . ليست هنالك صلة رحم بينهم وبينك, ليس هنالك تشابه بالعادات والتقاليد . . ليس هنالك لغة مشتركة بينهم وبينك أو حتى دين يجمعهم بك . . ومع ذلك فهم اكثر رأفة ورحمة وأنسانية بك . . يشعرونك بآدميتك المفقودة في بلاد البترول, بلاد البترول التي سرقت منك كل شيء . . . سرقت منك طفولتك, شبابك, أحلامك وانكرت حتى وجودك . . .!
في بلادك (بلاد البترول) أنت غريب. . لا بيت تسكن فيه, لا خدمات, لا أمان, لا حقوق, لا ضمان أجتماعي, لا رعاية أجتماعية . . .!
في بلادك (بلاد البترول) . . . انت مجرد أسم في دفاتر النفوس المركونه منذ عقود في زوايا الغرف المظلمة التي بنت علها العنكوت بيوتها الواهنه أو كأي ورقه مبلله مزقتها الريح ورمتها ايادي الزمن في سلة المهملات وربما انت كأي أسم سكن جثمانه القبر واصبح نسياً منسيا . .!
في بلادك (بلاد البترول) أنت مجرد شجرة مقطوعة ومتروكة في صحراء الوطن تنتظر دورها لترمى في تنور مستعر يبحث عن وقود جاهز ليعانق ناره رغيف الخبز الأسمر . .!
في بلادك (بلاد البترول) أنت مفقود الأسم والهوية والعنوان . . أما في بلاد الثلوج فلديك أسم وهوية وعنوان رغم مرارة الغربة وبعد المسافات وحنين القلب الذي اتعبته وانهكته مواويل السهر ولوعة الاشتياق. .!
في بلاد الثلوج يستقبلون البشر من كل الجنسيات, المسلم, البوذي, المسيحي, اليهودي, الطفل, المرأة, الشاب, الكهل . . يستقبلونهم بأبتسامة عريضة تزيح عنك جبل الهموم والأحزان . .
ـــــــــ هنا يراودني شعور بالألم والحسرة . . . آه لما لم يخلقني الله في تلك البلاد . .؟!
لما لم ترسو سفينة طفولتي المفقودة في موانيء تلك البلاد . .؟!
لما لم ينصفني القدر وآتي الى بلاد الثلوج قبل اندلاع حروب الوطن (وطن البترول) الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة . . . .!!
حروب الوطن التي لم ولن تنتهي . . مازال ذلك الغول الذي أسمه (البترول) يتنفس الصعداء . . !
حروب وطن البترول بعناوينها المختلفة على كل الجبهات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية . .
حروب وطن البترول بأسماءها القديمة والحديثة . . حروب وطن البترول بعناوين الدكتاتورية القديمة ـ والديمقراطية الحديثة . . .!
حروب وطن البترول التي جعلتنا نخجل من ذلك الغول الذي أسمه (البترول) . . البترول الذي التصق بنا دون ان نعرف منه شيئاً او نجني منه شيئاً, التصق بنا كهوية للموت والحرب والدمار . . لم نأخذ منه شيئاً لكنه أخذ منا كل شيء . . وطن البترول مسجل (بأسماء شركات أجنبية) وبعناوين شتى . . مسجل في ارصدة وبنوك الغرب بأسماء سماسرة محترفين وأخرى أسماء وهمية . .
أما نحن أبناء (وطن البترول) مقّدر لنا ان نكون فقراء تعساء واغبياء, يسكننا المرض والخوف وتعشعش فينا الفاقة . . نعيش أذلاء عبيداً لمن يسرق منا البترول ويغدق علينا بكسرة خبر أسود . . أنه بلد البترول..!
في بلاد الثلوج يستقبلونك بأحترام وكياسه وتقدير ونبل وانسانية . . بلاد الثلوج ليس لديهم ذلك الغول (البترول) . . لديهم فقط الثلوج ــــــ آه لو كان لديهم البترول لنسجوا لك ثياباً من ذهب . . !
لديهم الثلوج ومع ذلك فهم يوهبونك الحياة والأحترام والمأوى ويمنحونك الحب والتقدير والأمان . . ليس لديهم تفرقة عنصرية أو تعنصر ديني أو اثني أو عرقي . . ليس لديهم تفرقة في طرق التعامل اليومي, الكل متساوون أمام القانون, لا فرق لديهم بين ابناء القارة الأسيوية أو القارة السوداء . . ليس هنالك فرق بين اطفالهم واطفالنا . . في روضة الأطفال نراهم يهتمون بأطفالنا اكثر من اهتماهم بأطفالهم . . يقدمون لهم الطعام والشراب ويمنحونهم الحنان والرعاية الانسانية . .
بلاد الثلوج تكشف عن معني بياض الثلوج وهو (المشابه) لبياض قلوبهم وبياض انسانيتهم ونقاء ضمائرهم . . !
أما بلاد البترول فتكشف عن معنى سواد البترول (المشابه) لسواد قلوب انظمتنا السوداء التي تتاجر بمفاهيم الأنسانية (الفارغة) دون ان تدرك ان الأنسان مخلوق الله المقدس . . !
مقالات اخرى للكاتب