لاأظن أحدا من الثلاثين مليون فرد عراقي ينجو إذا أصاب العطب ركنا من أركان عراقهم، ولاأظن أيا من الأسوياء منهم يسعى لخراب بلده او تردي أحواله، او يرضى بتقهقره وركونه في مكان قصي عن باقي بلدان العالم، وانحسار مشاركاته مع أبناء جنسه واندماجه معهم، حيث الجميع يجري في ماراثون التقدم العلمي والتكنولوجي، وهو قطعا -العراق- ليس عاجزا عن الخوض في هذا المضمار، بل هو سباق في تسجيل الدرجات العليا فيه، ونيل المراكز المتقدمة في مجالاته، والأدلة على هذا كثيرة لها في التأريخ صفحات بارزة منذ قدم وادي الرافدين حتى يومنا هذا. فباستطلاع الى منجزات عالمية أشير اليها بالبنان في ميادين العلوم والطب والصناعة، يبرز اسم العراق في قائمة الدول الأولى التي سجلت قصب السبق وبراءة الاختراع في طرح فكرة هنا، او ابتكار جهاز هناك، او إجراء عملية جراحية فريدة من نوعها، او اكتشاف جديد لعلاج مرض مستعصٍ، وفي كل الأحوال فإن فائدة الفرد العراقي تعود على العراقيين أجمع. ولقد قيل في مثلنا؛ (الحايط لو مال يوگع على أهله).. وكان أهلونا يرددون هذا المثل على مسامعنا مرارا وتكرارا، وقطعا ماكانوا يريدون من تكراره إلا حثنا على درء المخاطر التي تحيق بنا، ذلك أن الضرر إذا وقع يصيبنا جميعا حتما، وإن لم يصبنا يطالنا شرره وشره. فترعرعنا على مبدأ إبعاد المخاطر البعيدة والقريبة منا على حد سواء، وليس على مبدأ ابو فراس الحمداني: "إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر".
اليوم يمر عراقنا بظرف عصيب خطير له تداعيات ونتائج وخيمة، إذا لم نأخذ جميعنا بعين الاعتبار المثل أعلاه، ونطبقه في حياتنا الخاصة مع كل من يجايلوننا ويعايشوننا، في البيت.. في الشارع.. في أماكن عملنا، وكذلك علينا العمل بجهد واحد يفضي بنا الى النجاح والفلاح في حياتنا. وكما معتاد.. "تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن" إذ هناك من يتعمد السير عكس التيار، ويحتكم لخيارات نفسه التي تنحى منحى الشر، وتسعى في طريق الخراب من دون النظر الى عائدية الخراب عليه او على أهله. ومن هؤلاء اليوم نجد الكثيرين ممن يتصيدون في عكر المياه، دون أن يأبهوا لمستقبل البلاد وبالتالي هو مستقبلهم أيضا. ووسط هلمة ضجيج الأقوال وزحمة تضارب الأفعال، يسير مصير العراقيين في مركب تحف به مخاطر شتى، لاسيما أن قبطانه يتأرجح بين سلبيات تصرفاته، وبين التدخلات والضغوط التي تمحق إيجابياته وتحيلها الى حبل يلتف حول رقبته أولا، ورقاب ملايين العباد ثانيا.
مالاشك فيه أن قيادة المجلسين التشريعي والتنفيذي في عراقنا الجديد، ليست بالمستوى المكافئ لمتطلبات بلد جثم على أنفاسه نظام دكتاتوري أكثر من عقود ثلاث، وهذا الأمر ليس وليد اليوم، كما أنه ليس نتاج رئيس الحكومة الحالي او السابق او الأسبقين كشخصيات ونفسيات، بل الخلل يكمن في أس النظام المعمول به، والمنهج الذي اعتمد في تشكيل الحكومات بعد زوال الحكم السلطوي الفردي، إذ آل الأمر الى الأحزاب والكتل، "وكان شرها مستطيرا"..! فقد بدا كل حزب بما لديه فرحا مسرورا بالصيد الوافر الذي كان حلم رئيسه وأعضائه، وكلنا يذكر مفردة "الكعكة" التي راج سوقها إبان السنوات التي شهدت تشكيل الحكومات، وكذلك مفردة المحاصصة التي نعق ناعقها في كل محفل واجتماع مطالبا بحصته من الكعكة، ومايؤسف له حقيقة، أن الجميع صار يقضم من الكعكة (بلا وجع گلب) دون الرجوع الى الحق والحقوق، والجائز وغير الجائز، والممنوع والمسموح، فضلا عن الحلال والحرام، فانتهى الحال -بطبيعته- الى ماهو عليه اليوم، ولايبدو مقبل الأيام بأحسن من حاضرها وماضيها، مادامت النيات ماتزال سيئة، والأحزاب تسرح وتمرح في الساحة السياسية، بنفوذ وقوة وتسلط لم يثلم منه تظاهر، ولااعتصام ولااجتثاث ولافتوى ولاهم يحزنون.
مقالات اخرى للكاتب