ها قد تمت زيارة المالكي لإقليم كردستان واستقبل استقبال الابطال من قبل كل الطاقم السياسي لحكومة الاقليم , وكما توقعنا وقلنا سابقا فان المباحثات التي جرت بينه وبين المسئولين في كردستان لم تخرج عن التأكيد حول تفعيل اللجان المشتركة والمسئولة عن حلحلة النقاط العالقة بين الطرفين . ورجع المالكي الى بغداد وهو في موقف سياسي اقوى مما كان عليه قبل مجيئه الى الاقليم وكسب نقاط سياسية كثيرة من ضمنها تهدئة الاجواء بينه وبين الكرد ( او بالأحرى تهدئة الجبهة مع الكرد الى اجل يراه هو مناسبا ) وإثارة الشكوك لدى الطرف السني حيال ما وصفوه ( بطبخه ) تستوى ضدهم في اربيل مما حدى بكتلة السيد اسامة النجيفي مثلا الى التصريح بأنها مستعدة للحوار مع المالكي بعد لقاء اربيل مما يشير الى ضعضعة الجبهة الكردية السنية ضد المالكي وإضعاف الموقف السني العربي ضده الامر الذي يصب تماما في صالح المالكي وبالمقابل يفقد الكرد حليفا قويا كان يواجه المالكي معه رغم وجود مشاكل بين الطرفين .
ومن يتابع تصريحات المالكي والشخصيات المقربة منه قبل وبعد الزيارة يصاب بإحباط مبكر من نتائج هذا اللقاء , فالمالكي قبل سفره بيوم صرح بأنه ذاهب الى اربيل لعقد جلسة لمجلس الوزراء العراقي شانها في ذلك شان أي مدينة عراقية اخرى ... حاول المالكي من خلال هذا التصريح افهام الشارع العراقي بان الزيارة هي لمدينة عراقية وليست لعاصمة اقليم موجود في العراق لديه حكومة منتخبة تمتلك وزارات ومؤسسات اكثر رصانة من مؤسسات ووزارات المركز.. . ليس هذا فحسب بل تمادى في تصريحاته ليدخل في موضوع كان الاحرى بحكومة اقليم كردستان الانتباه اليه وطلب تفسيرات حوله والذي كان بخصوص حق تقرير المصير للشعب الكردي , حيث جعل نفسه قيما على شعب له خصائصه السياسية وحقوق سياسية يسعى اليها ليفتي في ان حق تقرير المصير للكرد قد اقر سابقا باستفتاء شعبي على بقاءه ضمن عراق فدرالي وانه (أي المالكي ) يرفض أي كلام اخر بشان حق تقرير المصير .... وكان المفترض بحكومة الاقليم المسئولة عن كرامة شعبها ان تطلب تأجيل زيارته لحين اعطاء المركز لتفسير حول تصريحه هذا او على الاقل اخراج مظاهرات شعبية في اربيل بالتزامن مع الزيارة رافضة لهذا التصريح , ولكن يبدو ان الكرم الكردي والحكمة السياسية الكردية ( المبالغ بها احيانا) قد حالت دون ذلك وهو هفوة سياسية كبيرة وقع فيه صانع القرار الكردي .
والغريب ان تأتي احزاب المعارضة الكردستانية كحركة التغير وغيرها ليستغلوا هذه الهفوة السياسية وينتقدوا صمت حكومة الاقليم بدلا من انتقاد التصريح نفسه وكأنهم ليسوا مشاركين في هذه الحكومة وليسوا مسئولين عن شريحة حتى وان كانت صغيرة من هذا الشعب وهذه احدى سخريات القدر السياسي عند احزاب المعارضة في اقليم كردستان .
هناك قضية اخرى تلافى الوقوف عنده الساسة الكرد وهو تصريح المطلك الذي كان ضمن الوفد الوزاري المرافق للمالكي عندما طالب وفي اربيل بانسحاب قوات البيشمركة من بعض المناطق المتنازع عليها وان يحل الجيش العراقي محله في موقف كان يفترض بالساسة الكرد الرد عليه في اليوم نفسه .
عموما فان الزيارة قد انتهت ولم تسفر عن شيء حقيقي سوى بيانات ومؤتمرا صحفيا اكدوا فيه على ( نية المالكي الصادقة ) لحل القضايا العالقة بين المركز والإقليم وتفعيل اللجان المشتركة التي انبثقت بين الجانبين سابقا . وفي الحقيقة فلم نكن نتوقع اكثر من هذه النتائج حتى قبل الزيارة . ولكن السؤال هنا ... هل تكفي الفترة الباقية من ولاية المالكي للتوصل الى حلول حقيقية للمشاكل العالقة بين الطرفين ؟ الجواب بالطبع لا وهذا ما اكده عضو في ائتلاف دولة القانون بعد انتهاء الزيارة حيث اشار الى ان حلحلة هذه المشاكل تحتاج الى وقت طويل وهذه بداية نكوص المالكي عن تعهداته كما عهدناه دائما .
الانكى من هذا كله هو البيان الذي اصدره حزب الدعوة بعد زيارة اربيل بيوم والذي اكد فيه حرص حزب الدعوة برئاسة المالكي على توطيد العلاقة بينه وبين ( شعبنا في كردستان ) حيث قال الحزب في بيان له جاء فيه (يؤكد الحزب حرصه الشديد على توثيق أواصر الاخوة والعمل المشترك مع شعبنا الكردي في كردستان العراق من اجل وحدة العراق واستقلاله وتقدمه (
ومن يتابع البيان تعاد الى ذاكرته نفس اللغة التي كان يستعملها حزب البعث بقيادة صدام حسين في خطاباته الموجهة للكرد , فتأكيد البيان على كلمة ( شعبنا الكردي في كردستان ) يوضح ان حزب الدعوة قد عودي بفايروس التملك الذي كان يعاني منه البعثيون فكلمة شعبنا هذه كانت تثير حساسيات كثيرة عند الكرد في حكم صدام حسين والذي كان يحاول البعث من خلال استعماله تأكيد وصايته على هذا الشعب وتملكه له وهذا ما يحاول حزب الدعوة تكراره والتأكيد عليه .
اما النقطة الاخرى الملاحظة في لغة البيان هي انه ليس موجها الى حكومة اقليم كردستان العراق بل هو خطاب يتجاوز حكومة الاقليم ليخاطب الشعب الكردي مباشرة... عذرا ...اقصد ( شعبه الكردي ) ناسيا وبتقصد ان هذا الشعب له حكومة منتخبة تمثله حاليا وأي خطاب يراد توجيهه لهذا الشعب يجب ان تكون من خلال حكومته المنتخبة هذه , والمحزن في الامر ان وسائل الاعلام في كردستان وحتى الرسمية منها قد اغفلت عن اللغة الخطابية لهذا البيان ونقلته وكأنها اشارات ايجابية وموقف جديد من قبل حزب الدعوة والمالكي تجاه اقليم كردستان وقامت بعض وكالات الانباء الحزبية بنقل هذا البيان بشكل مفرط في التفاؤل والذي لا استطيع ان اجد له تفسيرا الا انها هفوة من هفوات الاعلام الرسمي والحزبي عندنا في اقليم كردستان وصمتا اخر يضاف الى صمت الاقليم سابقا حيال الكثير من التجاوزات على حكومة الاقليم وشعب كردستان .
لا يوجد تفسير مقنع لسياسة الصمت المطبق التي يتمسك بها الاقليم حكومة وأحزابا ( الموالية منها او المعارضة ) تجاه هذه الاهانات المتكررة التي يوجهها المالكي ومقربيه للإقليم حكومة وشعبا .. ولا اتصور ان من احدى البنود المتفق عليها هو ان يكون هناك عقد جديد للعلاقة بين الاقليم والمركز يكون فيه المركز وصيا على الاقليم وشعبه , لذلك فمطلوب من حكومة الاقليم توجيه تفسيرات حول هذه التصريحات والمواقف التي نراها من المالكي وأعضاء ائتلافه لأننا في الاقليم لسنا مسئولين عن تنصيع وجه المالكي امام جمهوره على حساب كرامة الشعب الكردي وتضحياته التي قدم من اجل صونها دماء غزيرة هي اقدس عندنا من ان تهينها هلوسات المالكي وشطحاته .
مقالات اخرى للكاتب