شيء رائع ان يرفع المرء شعارا يحمل مبدأ ساميا ويتخذه نقطة شروع ينطلق منها للبدء بعمل ما، لاسيما اذا كان مشروعا يعود بالفائدة الى آخرين من بني جنسه، فيكون بهذا قد اختط لمشروعه سبل النجاح منذ لبناته الأولى، فينعم إذاك بنتائج مرضية له وللناس ولخالقه، والشيء الأكثر روعة حين يكون شعاره حديث نبينا (ص): “رحم الله امرءًا عمل عملا صالحا وأتقنه”.
إلا اننا في عراقنا اليوم نرى ساستنا ومسؤولينا قد نأوا عن عبارة (عملا صالحا) أيما نأي، واستبدلوها بمفردات ومصطلحات لاتمت الى الصلاح والفلاح والعرف الإنساني والوطني ولا الى واعز الضمير بصلة، وآثروا عليها المصالح الشخصية والمآرب الخاصة وخدمة أسياد لهم جندوهم لأطماع شتى، بين مادية وسياسية وأقليمية فضلا عن العرقية والطائفية، ضاربين مصالح من اصطبغت أصابعهم تأييدا بنفسجيا لهم عرض الحائط، متغافلين عن مراعاة حقوق الفرد من رعيتهم، بعد أن نسوا أنهم رعاة ومسؤولون عن رعيتهم، وأوغلوا بأنانيتهم لغايات بعيدة عن روح الإيثار ونكران الذات. وكما قال نبينا (ص): (إذا لم تستحِ فاصنع ماشئت) فقد صنعوا بالمواطن العراقي ما لم يصنعه عدو مبين، فاتخذوا من عراقيتهم بدل الصديق سلاحا ضد أبناء جلدتهم فارتدوا لباس الراعي المسؤول عن الرعية وهم يبطنون غير ذلك، وتقولوا بالكلام السليم فحادوا عنه، والوعود المعسولة فأخلفوها، والعهود الموثوقة فنكثوا بها، وادعوا الإصلاح وأشاعوا الخراب، ومازال ديدنهم هذا لغايات لاتخدم البلاد والعباد، فاستباحوا حقوق شعبهم وفصّلوها على مقاساتهم وأهوائهم، وعاثوا فسادا وباعوا رضا الله ورضا ملايين العراقيين بثمن دنيوي بخس، لن ينفعهم يوم لاينفع مال ولابنون. وأظن ان ساستنا تناسوا هذا الحديث، فطاب لهم العمل بحرية التنقل بين الاعمال الصالحة وغير الصالحة، فاما الأولى فقد قلبوا لها ظهر المجن، بعد أن صار مردودها لايملأ جيوبهم بما يطمحون اليه، وأما الثانية فقد برعوا في إتقانها أيما إتقان، وتفننوا في إيصال ضررها الى العراقيين بلا استثناء. فما من مفصل من مفاصل حياة العراقيين إلا يئن تحت وطأة التقصير والإهمال والتردي، وما من وزارة إلا وكان لها من الأعمال مالا ينفع العراقيين، إذ صارت مصلحة الوطن والمواطن بعيدة عن خطط الأعمال، وغير داخلة في حسابات تنفيذها، وترك المواطن يبحث عن بدائل وحلول في صناديق الشكاوى على أبواب اللجان الدولية لإعانته، او على فتات التأمين الاجتماعي. فهل يحلو للمسؤولين قراءة حديث سيد الكائنات عن العمل الصالح وإتقانه عكس قراءته؟ وهل يستعذبون تطبيق غير مايعنيه، ليتموا بذلك ماخلفه النظام السابق من أضرار ويجهزون على ماتبقى في البلد من فتات خيرات وبقايا ثروات؟
مقالات اخرى للكاتب