هل هناك من يجادل بأن الحكومات العراقية المتعاقبة من أكثر الحكومات فسادا وتخلفا في العالم؟ أعتقد أن الجواب لا، لأسباب عدّة: مثلا، هي لم تستطع إلى الآن مغادرة القوانين التي أثقل حزب البعث المحظور كاهل العراقيين بها، كما أنها زادت من "ترييف" العاصمة، وأبدلت عائلات الطبقة الوسطى بعائلات السراق وحديثي النعمة من الطفيليين الذين زادوا من تمدد الريف داخل المدن، وهي بالتأكيد لم تستطع معالجة أزمات عادية طوال عشرة أعوام، الأمن، الكهرباء، الماء، السكن، البنى التحتية، البطالة، ومعدلات الفقر المتنامية، فضلا عن الصحة والتعليم.
وهذه الحكومات لم تستطع أيضا توفير الحماية للكفاءات العراقية التي اضطرت إلى الهجرة، بعد أن تعرض أغلبها إلى الموت المعلن في الشوارع، لكن الحكومة لها وصفتها السحرية التي تعالج بها المشاكل، فعندما تعرّض الصحفيين لموجات القتل من قبل الميليشيات - التي تشارك سياسيا في الحكومة - قامت بمنحهم مسدسات وتصاريح بحملها.
أصبح الصحفيون بين ليلة وضحاها، من حراس للكلمة إلى حراس لحيواتهم بمسدسات براقة.
الآن، بدأت موجة اغتيالات جديدة تستهدف الأطباء، بالطبع الوصفة السحرية ذاتها موجودة وجاهزة: امنحوا المسدسات للأطباء ليدافعوا عن أنفسهم في حال تعرّضت لهم ميليشيات القتل والخطف.
إذن، الوصفة نفسها في كل آن: السلاح موجود بكثرة في العراق، لنمنح كلّ مواطن قطعة سلاح وليحمي الشعب نفسه.
ما حاجتنا، والحال هذه، للأجهزة الأمنية ورواتبها التي تثقل كاهلنا؟ والأهم من هذا وذاك، ما حاجتنا للحكومة أصلا؟
لنمنح آبار النفط للشركات العالمية المختصة، ونتفق معها على توزيع مستحقاتنا المالية شهريا في حسابات فردية تشمل كل مواطن عراقي؛ أو لنؤجر العراق إلى الصين بموجب عقد استثمار طويل الأمد، لأنها ستقوده بشكل أفضل، وستدر علينا أرباحا طائلة إذا حققت نموا اقتصاديا فيه يعادل عُشر نموها الاقتصادي، وسنسمع حينها ضجيج آلات الإنتاج، وستتعب رقابنا من النظر إلى ناطحات السحاب التي ستنتشر في المدن العراقية، كما سننظر بإعجاب إلى ماضينا وتراثنا، الذي ستحافظ عليه الصين وتعيد ترميمه بطريقة صحيحة، الأمر الذي يعيد مجدنا القديم ويصنع مجدنا الجديد.
العراقيون، بين ليلة وضحاها، أصبحوا مدمنين أو متعودين على الحكومات الفاشلة المتعاقبة، مثلما أدمنوا التدخين، فهم يعرفون مضار التدخين، لكنهم يشفطون دخانه، وهم أيضا يعرفون أن هذه الحكومة مضرّة بهذه البلاد، لكنهم يعودون مجددا لشرائها بأصواتهم في كل انتخابات. لذلك أصبح لزاما على شبكة الإعلام العراقي، والفضائيات التي تنقل تصريحات المسؤولين، وجلسات البرلمان، القيام بتحذير يسبق هذه الجعجعة: إن الحكومة والبرلمان سبب رئيس لأمراض الضغط والسكّر والكآبة والأمراض المزمنة الأخرى.
مقالات اخرى للكاتب