نتيجة الظروف المالية التي تعصف بالبلد، والتي قيدت الى درجة كبيرة دفع مستحقات المقاولين والشركات المتعاقدة مع الحكومة المركزية والحكومات المحلية في المحافظات نشأت مشاكل دائنين ومديونين كثيرة بين هؤلاء وبين المقاولين الثانويين الذين لجأوا الى الضغط على أصحاب الشركات والمقاولين ليحرروا لهم صكوكا "بلا تاريخ" يعلمون إنها بدون رصيد لضمان حقوقهم ولم يمانع أصحاب الشركات والمقاولون في تحرير هذه الصكوك لضمان حقوق دائنيهم، لكن إنقلبت "حسن نيتهم" في تعاطيهم مع هذا الأمر وبالا عليهم، فلم يميز قانون العقوبات العراقي في مادته (459) بين من حرر الصك ب"سوء نية" وبين من حرر الصك ب"حسن نية" كالمشار إليهم أعلاه، وتعامل القضاة مع "المتهمين" على حد سواء فهي بنظرهم جريمة "تحرير صك بدون رصيد" دون الأخذ بنظر الإعتبار الظروف الموضوعية التي أدت إلى تحرير الصك بين متهم كان "يخطط" لإيذاء المشتكي والتحايل عليه بتحرير صك يعلم إنه بدون رصيد، وبين آخر كانت نيته في تحرير الصك "ضمان حق المشتكي"، وكان أغلب المشتكين يعلمون وقد أخبرهم "المشكو منه" بأن "الصك" بدون رصيد، لكنهم رغم ذلك لجأوا الى المحاكم التي يلزمها النص القانوني الذي لم يميز بين المتهمين في المادة (459 ق.ع.)التي تنص في البند (1)على ما يلي (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة تعادل خمسة اضعاف مبلغ الصك على ان لا تقل عن ثلاثة الاف دينار من اعطى بسوء نية صكا وهو يعلم بان ليس له مقابل وفاء كاف قائم وقابل للتصرف فيه او استرد بعد اعطائه اياه كل المقابل او بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته او امر المسحوب عليه بعدم الدفع او كان قد تعمد تحريره او توقيعه بصورة تمنع من صرفه) أي إن المشرع إشترط توفر "سوء النية" لدى من حرر الصك، الأمر الذي لا ينطبق هنا، بل العكس هو الصحيح وهو إن المشتكي "يعلم" عند تحرير المشكو منه للصك بأنه "بدون رصيد" وإنه ضمر "سوء النية" بحبس المشكو منه، وإبتزازه تحت هذا الضغط.
فوق كل ذلك يأتي قانون العفو العام ليزيد مأساة هذه الفئة أضعافا، فهو يشترط في المادة الرابعة "تنازل المشتكي" لشمول المتهمين على وفق هذه المادة بالعفو، علما إن العقوبة في هذه المادة هي حق عام وهويسقط تلقائيا في حالة تشريع أي قانون عفو لأن الأصل في العفو أن تعفو الدولة عن حقها في العقوبة وتعليق إسقاط هذا الحق بتنازل المشتكي غير مبرر إطلاقا، علما إن المشتكي يستطيع اللجوء إلى المحاكم المدنية لإستحصال حقوقه من المشكو منه في حال شموله بقانون العفو.
المشكلة في قانون العفو العام إنه لم يشمل المدانين والمتهمين على وفق المادة (459 ق.ع.) في قائمة "المستثنين من العفو" في المادة الخامسة منه، ولا أشار في أي من مواده بشمول المدانين على وفق جرائم الحق العام بالعفو، فبقيت هذه المادة وغيرها من المواد خاضعة للجدل غير المنتج.
لذا سيكون من المنصف شمول هذه الفئة بقانون العفو العام لسببين الأول إنهم ضحية الأزمة المالية للدولة التي كانت السبب في عدم تسديدهم لدائنيهم، والثانية لأنهم كانوا قد أعطوا هذه الصكوك ب"حسن نية" كضمان لحقوق دائنيهم.
مقالات اخرى للكاتب