في ثمانينيات القرن الماضي كان وفد من وزارة التصنيع العسكري - سيئة الصيت – يزور اليابان في مهمة عسكرية بحتة وخاصة وسرية هدفها الاطلاع على كيفية ادارة اليابانيين لمصانع السلاح, والاسرار الخاصة بهذه الصناعة بالتنسيق والتعاون مع الجانب الياباني طبعا.
وكان الوفد العراقي آنذاك مكونا من خبراء تسليح وضباط برتب مختلفة فضلا عن رجال المخابرات واعضاء في السفارة العراقية بطوكيو, وكان الوفد برئاسة شخصية "بعثية" من الاستخبارات العسكرية ومن المقربين لوزير التصنيع آنذاك "المقبور" حسين كامل.
بعد نحو شهرين من الجولة التي شملت الاطلاع على معظم المصانع الحربية اليابانية, طلب من اعضاء الوفد كتابة انطباعاتهم عما رأوه والملاحظات الفنية عنها.. فكتب رئيس الوفد "ان اهم انطباع لدي، وأعدها سلبية كبيرة، عدم وجود سيطرات على الطرق المؤدية للمصانع وكذلك الاجراءات على الابواب هزيلة ويمكن لاي شخص تفجيرها بسهولة" .
استغرب اليابانون من ملاحظته "السديدة" وسقطوا من الضحك عليه, قائلين "اي مجنون يفكر بهذه الطريقة ليفجر منشآت بلده التي يفخر بها"!!.
اسوق هذه الحكاية وانا اقرأ تصريحات وزارة الداخلية، والتي قالت فيها "إن قرار رفع السيطرات في العاصمة بغداد سيكون «جزئياً» و «تدريجياً» من حيث التوقيتات، ووفق خطة مدروسة بناء على أوامر القائد العام للقوات المسلحة لتخفيف الأعباء عن المواطنين".. والكلام طبعا حسب الديباجة المعروفة في مثل هذه (المكارم) السخية من قبل دولة رئيس الوزراء,اي كان مالكيا ام عباديا!!, مبينة أن «رفع السيطرات بشكل كامل عمل غير دقيق، ولكن الخطط تتخذ مساراً تتابعياً وفق توقيتات زمنية في السيطرات الداخلية للعاصمة بغداد».
ترى ماهي هذه الخطة وهل ستكون قادرة على مواجهة "التكي تاكا" الكتلونية ام ستطيح باحلام ريال مدريد في الحفاظ على لقبه "بالجامبيون ليك", اما كفانا مثل هذه المهاترات التي لم يعد المواطن يطيق سماعها؟
ولنناقش بعقلانية كم مرة اعلنت عمليات بغداد رفع السيطرات منذ عهد ابو "اسراء" الى زمن "ابو يسر", ثم وبعد كل قرار على هذه الشاكلة تنصب سيطرات جديدة.. على ما يبدو ان السادة الضباط تلقوا التعليمات بالمقلوب.
والملاحظة الاخرى ان رفع السيطرات الجزئي, عادة ما يكون في الكرخ فيما تنصب وبكثرة في جانب الرصافة, والحقيقة لم اجد تفسيرا معقولا لمثل هذا الاجراء.
ان الكثير من تلك السيطرات لم يكن لها أي داع, لانها لا تؤدي الغرض المطلوب منها الا في هدف واحد هو اذلال المواطن واهانته بتصرفات لا تنم عن مهنية ولا احترام لحقوق الانسان، وما عدا ذلك فان الاختراقات لا تُعد ولا تُحصى وما الحوادث التي تحصل بشكل يومي وعمليات الاغتيال بالقرب منها وعبور السيارات المفخخة وتحرك المسلحين واصحاب الاسلحة الكاتمة, الا دليل على عدم وضع خطة استراتيجية لضبط السيطرات ووضعها في الاماكن التي يمكن الاستفادة من عملها لتحقيق الامن وتحديدا في المناطق التي تشهد خللا امنيا واضحا ومتكررا وزيادة في العمليات الارهابية واستهداف المواطنين بشكل مستمر.
لقد اصبحت تلك السيطرات ملاذا للكثير من اصحاب النفوس الضعيفة الذين تم تعيينهم في الاجهزة الامنية ووزارتي الدفاع والداخلية بطرق غير مشروعة وهذا كان سببا في عدم التزام الكثير منهم بالمعايير المهنية التي يجب ان تتوفر عند الجندي او رجل الامن العراقي.
اننا وفي الوقت الذي نشيد بالقلة من منتسبي السيطرات المنضبطين, الا اننا نؤكد عدم جدواها فالارهابي يمر ليضرب الآمنين على مقربة من سيطرات وضعت لتكون مجالا تنافسيا على طول الطوابير والتشفي بالمواطنين المبتلين بالوقوف فيها بانتظار ان يخلص "السيد" المنتسب مكالمته العاطفية.
مقالات اخرى للكاتب