لا أقصد بالفضائيين رواد الفضاء الذين يسبحون في الفضاء الخارجي ، فالعراق لم يصل بعد إلى مرحلة إرسال فضائيين للعالم الخارجي بقصد أكتشاف المجهول وحل رموز الفلك والنجوم والأقمار وغيرها. ومشاكلنا التي تكاثرت بالإنشطار بعد الإحتلال وسيادة قوانين وأنظمة المحاصصة الطائفية والعنصرية ، وسقوط الموصل الحدباء وعدد كبير من المدن والقرى والمناطق المحيطة بها بيد مجموعة قذرة من الإرهابيين الذين يطلقون على أنفسهم " الدولة الإسلامية "، وهروب وتخاذل قادة الجيش العراقي المسؤول عن حماية ليس الموصل والمناطق المحيطة بها فحسب بل الوطن بأكمله ، وجرائم الإبادة الجماعية للعراقيين من المكونات التي يتألف منها المجتمع العراقي ومن أتباع الديانات والمذاهب في العراق على اختلافها ، وعمليات التصفية الجماعية لأعداد كبيرة من العراقيين من كافة الإنتماءات الدينية والمذهبية ورجال العشائر والقبائل وطلاب الكليات العسكرية – سبايكر مثالاً -، وعمليات القصف الجوي الذي تمارسه مقاتلات حربية لدول عربية وإسلامية كان لها دور كبير في نشوء الإرهاب في العراق ودول غربية لا علاقة لها بالعراق وهي ليست قريبة منه جغرافياً ولا تربطها به أية روابط لغوية أو قومية أو دينية أو تأريخية ، فرنسا والدنمارك مثالاً. كل هذه الأحداث وغيرها مما يصعب حصره بمقال إسبوعي أوقفت عجلة ليس التطور الاعتيادي للبلد بل عادت به تقهقراً إلى عهود ماقبل التأريخ.
ظاهرة إنتشارالإرهاب في العراق للأسباب التي أشرت لها وعدم قدرة الدولة العراقية متمثلة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية وضعف قدرات القوى العسكرية والأمنية على تجاوز هذه الصعاب والقضاء عليها أدت بالتالي إلى تشتت قوى الدولة وضعف السيطرة الإدارية والمالية ليس على وسائل الإنتاج ومصادر الموارد الطبيعية فقط، بل شمل ذلك أيضا مرافق إدارة الدولة كافة فباتت الرشوة والإختلاس والسرقة من المظاهر الشائعة في دوائر العراق الرسمية وغيرها وعلى مستويات عالية تصل حد اللامعقول. هذه الممارسات التي يعتبرها القانون العراقي جرائم من الدرجة الأولى يحاسب عليها بأعلى درجات الحكم والعقاب لم تعد كذلك بل أصبحت عملية دفع الرشاوي علنية وتحت أنظار المسؤولين عن الحفاظ على تطبيق القانون. ويجب أن لا ننسى أن تولي المناصب الإدارية والحكومية العليا من قبل أشخاص لايفقهون في أمور إدارة الدولة ومرفقاتها ولا خبرة لديهم في مجالات العمل التي أنيطت بهم مهمة إدارتها قد ولدت حالة من التسيب الإداري الذي كان من نتائجه وجود ثغرات تم أستغلالها من قبل ضعاف النفوس والمجرمين والمتلاعبين وغيرهم.
الأخبار التي تم تداولها على شبكات التواصل الإجتماعي والشبكة العنكبوتية وآلاف المقالات والأخبار واللقطات المسجلة إذاعيا وصوريا نقلت لنا الآلاف من الأحداث التي نقلت وحولت الكثيرين من واقع الحاجة والعوز إلى أن يكونوا من اصحاب البلايين وليس الملايين خلال مدد قصيرة دون أن يكونوا من أصحاب الشهادات أو الخبرات التجارية أو المهنية . الأمثلة كثيرة وقد يكون بعضها ملفقاً أو مرتباً لكن بالتأكيد هنالك سرقات قام بها وزراء ومسؤولون حكوميون بدرجات رفيعة المستوى هربوا بعدها إلى خارج العراق ليتنعموا بما سرقوا من أموال العراق والعراقيين.
هذه الحالة أدت كتحصيل حاصل إلى نضوب خزينة الدولة حتى بات من الصعب على المسؤولين عن إعداد ميزانية الدولة العراقية تقديم الميزانية إلى مجلس النواب بهدف المصادقة عليها وبالتالي دفع حصص المحافظات منها لكي تدفع الديون والمستحقات للدائنين والعمال والمقاولين والمجهزين. هذه الحلقة المفقودة أدت مؤخراً إلى إعلان محافظتين إفلاسهما وعدم قدرتهما على الإستمرار بإدارة شؤونهما مالياً. هذه الظاهرة لا سابقة لها منذ نشوء الدولة العراقية في بداية عشرينيات القرن الماضي.
ويبدو أن للفضايين دورا مهما في حالتي الإثراء غير المعقول وغير المشروع وإفلاس الخزينة العراقية. والفضائيون هنا يقصد بهم الأشخاص الوهميين الذين يتم تسجيلهم بأعتبارهم أما جنوداً أو موظفين أو عمالاً أو مقاولين وغيرهم وعلى أساس ذلك يتم الدفع لهم عبر المزورين شهريا . أو أنهم من الجنود والضباط والموظفين والعمال الحاصلين على وظائف ومناصب في الجيش والشرطة وقوى الأمن ودوائر الدولة والمحافظات وغيرها ممن لايمارسون أية أعمال أو نشاطات لكنهم يقبضون نصف إستحاقاتهم شهريا ويذهب النصف الآخر إلى مدرائهم أو ضباطهم أو مسؤوليهم.
يقال أن خمسين ألفاُ من الجنود العراقيين هم من الفضائيين ! خمسون ألف جندي غير موجودين يتم الدفع لهم شهريا وربما تدفع لهم مخصصات الإشتراك بالعمليات العسكرية وتخصص لهم أسلحة وألبسة وبساطيل وإعاشة ودورات تدريب وغيرها من المستلزمات لكنهم وهميون. خمسون الفاً تم الإعلان عنهم فقط. ترى ، أي نظام إداري تتبعه وتمارسه وزارة الدفاع العراقية للسيطرة على أعداد جنودها وضباطها المتواجدين في الثكنات العسكرية؟
في تصريح للنائب مثال الآلوسي ذكر أن عدد أفراد الحماية في الأفواج الخاصة بالسيد رئيس الجمهورية ونوابه الثلاثة وكذلك رئيس الوزراء ونوابه بلغ ستين الفاً ! اي بمعدل عشرة آلاف رجل حماية لكل شخص. عندما توفي أحد ملوك السعودية في ثمانينيات القرن الماضي ، حطت في مطار الرياض طائرات عراقية كانت تنقل ديكتاتور العراق لتقديم تعازيه دون أن يتم إبلاغ السلطات السعودية بذلك . وكان برفقته حمايته المؤلفة من بضعة مئات من المغاوير برفقة سيارات الحماية المرسيدس السوداء . في وقتها أعتبرت السلطات السعودية الزيارة بمثابة إحتلال عراقي للمطار السعودي. ترى ، ماهي حاجة الرئاسات العراقية إلى وجود ستين الفاً من الرجال المدججين بالسلاح ولديهم سيارات خاصة لحمايتهم؟ قبل يومين أطلعت على رسالة إلكترونية تذكر أن أحد ملوك السويد يستخدم وسائل النقل العامة في تنقله ، فهو يركب الباصات والقطارات العامة وبمفرده ويجلس بجانب المواطنون. وعندما سألته الصحافة عن سبب عدم مرافقة حماية له قال أن الشعب السويدي كله بمثابة حماية له !
حالات الكشف عن فضايين أصبحت ظاهرة يومية وهذا يكفي ليكون دليلاً على إستشراء حالة الفساد المالي والأخلاقي في مرافق الدولة وعلى كافة المستويات. قد يدعي البعض بأن هذه مجرد إشاعات يقصد بها النيل من النظام العراقي الحالي وربما هم على حق لكن حكومتنا الرشيدة ومسؤولينا لم يقدموا للشعب مايثبت عكس ذلك. أو ليس السكوت من علامات الرضا؟
لنستعرض بعض المقاطع من الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام العراقية عن ظاهرة الفضايين على سبيل المثال وليس الحصر فهم كثر.
" رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي يكشف عن وجود عقود وهمية في أمانة العاصمة يذهب ريعها إلى أمين العاصمة وخال أولاده مدير عام بلديات الغدير. يقال أيضا أن هنالك 7000 عامل فضائي في أمانة العاصمة. "
" توقع عضو كتله الحل البرلمانية المنضوية في تحالف القوى العراقية النائب محمد الكربولي، يوم الاثنين، ان تصل اعداد الفضائيين في وزارتي الدفاع والداخلية، ومستشارية الامن الوطني، وجهاز المخابرات العراقي الى 300 الف فضائي."
" وقال حيدر العبادي ردا على سؤال لمراسل (المدى برس)، بشان وجود العديد من الفضائيين في بقية الوزارات ، إن "هناك أعداد من الفضائيين في وزارات حكومية اخرى وانا ماض في حملة الاصلاحات وكشف اولئك الفضائيين ، مؤكدا ان هناك حملات أثيرت وستثار لتسقيطي لكنني لن أنثني حتى لو كلف الامر اغتيالي وأضاف العبادي أن موضوع الفضائيين جريمة مزدوجة اولها هي جريمة هدر مال عام وثانيها انهم ارتكبوا جريمة قتل غير عمد لانهم تسببوا بالاخلال بالامن ، مشيرا إلى أن الفضائيين لديهم اسماء موجودة وهويات في وزارة الدفاع لكنهم غير موجودين في الميدان مع زملائهم ، وتابع العبادي احذر كل الذين يأخذون رواتب بلا وجه حق ان يتوقفوا عن ذلك لاننا سنقبض عليهم جميعا ولن نترك احدا منهم، وهناك حيتان كبيرة تقف وراء سرقة مليارات الدولارات من موضوع الفضائيين وسنلاحقهم ونكشفهم جميعا".
"اعتبر نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، الاثنين، وجود خمسين ألف جندي "فضائي" في المؤسسة العسكرية بأنه غير صحيح مطلقاً، وفيما رجح وجود خلط بين مصطلح فضائي والمتسربين والهاربين من الخدمة، أبدى استغرابه من وجود 50 ألف فضائي رغم ان ملاك أربع فرق هو 48 ألف منتسب فقط".
كلا الرجلين ينتميان لنفس المؤسسة الحزبية ، أحدهما على حق والآخر على خطأ. سأترك للقارئ حرية الإختيار.
مقالات اخرى للكاتب