اثارت مقالتي الاخيرة (العراق المضطرب..ضعف الطالب والمطلوب) العديد من التساؤلات، ولاهميتها ارتايت الاجابة عليها في هذا المقال لتوضيح الامور واجلاء الحقائق.
وقبل ان اسرد الاسئلة لاجيب عليها، اود ذكر الملاحظات الاستراتيجية التالية:
اولا: كعراقيين، يجب ان تتمسر عيوننا، عندما نناقش فكرة او نبحث في حلول او نجادل في آراء مطروحة للنقاش، باتجاه الوطن وليس باتجاه الحكومة او باتجاه هذا المسؤول او ذاك، لان اي شئ آخر غير الوطن سيتغير، فالحكومة تتغير والمسؤول يتغير والبرلمان ورئيس الدولة وكل اولئك يتغيرون، اما البلد والوطن فهو الباقي، ولذلك فان الواجب الوطني يحتم علينا ان نفكر في الوطن عندما نفكر في حل لازمة من الازمات، اما شخصنة الامور والتي تغذي فينا عبادة الشخصية والتزمت واحتكار الحقيقة والتعصب الاعمى والجدال العقيم وخلط الامور والاوراق، فانها ثقافة بالية لا تخدم البلاد ابدا وتضر بعباد الله ثانيا.
فعندما نبحث في مصير البلاد ومستقبل شعبها لا يجوز ان ننطلق من المصالح الذاتية والحزبية والفئوية، وانما ننطلق من المصالح العليا والاستراتيجية، حتى اذا جاءت على حساب هذا المسؤول او ذاك الحزب او تلك الكتلة البرلمانية.
خاصة شريحة المثقفين والكتاب والباحثين الذين يكتبون رؤية لبناء مستقبل افضل ويسطرون رؤية لحل معضلة او ازمة او ما اشبه، فان عليهم ان يضعوا نصب اعينهم المصلحة العيا للبلاد فقط بعيدا عن بريق الدولار وطمع المنصب والانتماء الفئوي الضيق.
ثانيا: عندما نبحث في فكرة او راي فان علينا ان نتذكر دائما الحكمة التي تقول (لا تنظر الى من قال وانظر الى ما قال) ولذلك ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) قوله {خذ الحكمة ولو من افواه المجانين} او {خذ الحكمة ولو من كلب فم عقور} لماذا؟ لان {الحكمة ضالة المؤمن} كما يقول رسول الله (ص) والمؤمن هنا، برايي، لا يعني الذي يؤمن بالله تعالى وانما كل مؤمن بقضية، اي كل صاحب قضية، والدليل على ذلك ان اصحابا القضايا المقدسة في العالم يبحثون عن الحكمة وان كانوا لا يؤمنون بالله واليوم الاخر، او على غير دين الاسلام، ولذلك تجد مثلا الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا ظل يبحث عن ضالته، الحكمة، وياخذ بها اينما وجدت، ولذلك اصبح زعيما عالميا يتعلم منه المسلم وغير المسلم، الافريقي وغير الافريقي، وكذاك الزعيم الهندي غاندي وغيرهما كثيرون.
ثالثا: عندما نبحث في راي، فان علينا ان نتجادل به بالتي هي احسن لا زال هذا الراي لا يخرج عن راي العقلاء، اما اذا كان رايا شاذا ينافي العقل فذلك شئ آخر، ينبغي علينا ان نتجاهله من دون سب.
ولو اننا، العراقيون، نلتزم دائما بآداب الحوار فيحترم بعضنا البعض الاخر، نناقش بحجة ونرد بحجة ونقبل بحجة ونرفض بحجة، لكنا قد نجحنا في حل الكثير من مشاكلنا، او على الاقل لما تحولت مشاكلنا الى سبب مباشر لتمزقنا وتفتتنا واضاعة حقوقنا، كما يقول امير المؤنين عليه السلام {لتفرقكم عن حقكم واجتماعهم على باطلهم}.
كنت اتابع اليوم المؤتمرات الصحفية التي يعقدها البرلمانيون تباعا، وكانهم يقفون في طابور يوزع الحصة التموينية او هدايا الكريسميس، لياتي كل واحد منهم وخلفه يقف عدد من (الفزاعة) على طريقة شقاوات المحلات في المدن والاقضية العراقية ايام زمان للدفاع عن صاحبهم من اغارات الاخرين، ليرد هذا على ذاك، وذاك على هذا، ويتهجم هذا على ذاك ويتهم ذاك هذا وهكذا، فترى كل شئ حاضرا في هذه المؤتمرات واحاديث استعراض العضلات امام الشاشة الصغيرة والتي اغلبها ظهور دعائي انتخابي، الا المواطن ومعاناته، فهي الغائب الاكبر والدائم في كل هذه المؤتمرات.
رابعا: ان الحريص على بلاده وعلى شعبه، وعلى حاضر ومستقبل ضحايا الطاغية الذليل صدام حسين تحديدا، ينطلق في تعامله مع الاحداث والافكار والاراء من مبدا رفض الظلم وعدم القبول بالخطا مهما كان مصدر الظلم وهويته ودينه ومذهبه، اما ان يستنكر الظلم اذا ارتكبه (سني) ويسكت عنه او يتجاهله اذا ارتكبه (شيعي) او ان يقيم الدنيا ولا يقعدها اذا اخطا (عربي) ولكنه يلوذ بصمت اهل القبور اذا ارتكب الخطا (كردي) فان مثل هذا يكذب اذا ادعى بانه حريص على العراق والعراقيين، وهو بمثل هذه المواقف والقراءات يكرس الطائفية والعنصرية والتمييز.
لقد قال رسول الله (ص) {انصر اخاك ظالما او مظلوما} وعندما قال رجل من الحاضرين: يا رسول الله (ص) انصره اذ كان مظلوما، افرايت اذا كان ظالما، كيف انصره؟ قال (ص) {تحجزه او تمنعه من الظلم، فان ذلك نصره}.
خامسا: واخيرا، فليس المهم ان تتفق مع فكرة ما او تختلف معها، انما المهم هو ان تفكر بصورة صحيحة وسليمة، الامر الذي يتطلب فهم المقدمات الصحيحة لتاتي النتائج صحيحة، من خلال فهم الفكرة او الراي قبل ان تبدأ النقاش من اجل ان لا ياتي نقاشك عقيما او ان تظل تناقش ساعات من دون نتيجة لانك تناقش امرا لم تستوعبه في الاساس، او انك تناقش بجانب الفكرة على طريقة المثل القائل (يستعمل الملعقة الى جانب الكأس) ولذلك فان من المهم جدا ان نفهم جوهر النظام السياسي في العراق الجديد لنستوعب اسسه وبناه، ما سيساعدنا على النقاش فيه بشكل عقلاني ودستوري.
اما التساؤلات التي اثارتها مقالتي الاخيرة، فهي كالتالي:
اولا: ان توجيه الدعوة للسيد رئيس مجلس الوزراء باعادة الامانة الى التحالف الوطني وترك السلطة، هي دعوة غير دستورية، فكيف نطلب ممن انتخبه الشعب ان يترك موقعه؟.
الجواب:
1ـ على الرغم من انني لا اثق كثيرا بحديث السياسيين عن الدستور وضرورة الالتزام به لحل خلافاتهم، والسعي لعدم تجاوزه ونقض بنوده، الا انني ساناقش المقترح دستوريا، ولكي انصف السياسيين في اتهامي هذا لهم دعوني اضرب خمسة نماذج على سبيل المثال وليس الحصر كادلة على عدم احترامهم للدستور، فهم جميعا يتعاملون معه كقطعة من ورق التنظيف يستفيدون منه لتحقيق مآربهم الحزبية والشخصية ثم يرمون به في المزابل مع القمامة.
النموذج الاول: هو تشكيل الحكومة الحالية، فالدستور يقول بان رئيس الجمهورية يمنح مرشح الكتلة الاكبر مدة 30 يوما فقط لتقديم تشكيلة حكومته الى البرلمان لنيل الثقة، فاذا فشل في ذلك فان على رئيس الجمهورية ان يكلف مرشحا آخر.
فاين ربط الدستور هذه المدة بجلسة مفتوحة للبرلمان لتستمر ما شاء الله من الوقت الى ان يتمكن المرشح من تشكيل فريقه الحكومي؟ وهي استمرت مفتوحة مدة (5) اشهر في الدورة السابقة و (10) اشهر في الدورة الحالية.
ليذكر لنا السياسيون نص المادة الدستورية التي اجازت لهم فعل ذلك لنصدق بانهم يحترمون الدستور.
النموذج الثاني: لقد كفل الدستور حق التظاهر للمواطن، فاين اجاز للحكومة ان تعطل الدوام الرسمي في المدارس والدوائر الحكومية لاجبار الناس على المشاركة في تظاهرات السلطة على طريقة نظام الطاغية الذليل صدام حسين؟ حصل هذا في الايام القليلة الماضية، ولا زال يحصل.
افتونا ماجورين، يرحم الله شهداء العراق.
النموذج الثالث: نص الدستور على ان السلطة القضائية مستقلة ولا يحق لاحد ان يصدر قرارات عفو خاصة ابدا، فاين منح الدستور الحق لرئيس مجلس الوزراء باصدار قرارات عفو خاصة لسجين؟ على طريقة الطاغية الذليل الذي كان يسجن بقرارات خاصة ويعدم بقرارات خاصة ويعفو بقرارات خاصة.
النموذج الرابع: يقول الدستور عن الجيش والقوات المسحلة في المادة (9) اولا: الف؛ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ او اقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون اداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة.
هذه المادة تشير بما لا لبس فيه الى ان مهمة الجيش هو حماية الحدود تحديدا، لانه ليس من المعقول ان يدافع جيش ما عن بلاد ما من شعبها، الا اننا نرى اليوم، وبعد مرور (10) اعوام على التغيير، ان الجيش العراقي لم يعد بعد الى ثكناته، ففي اية مادة اجاز الدستور للحكومة ان تستخدم الجيش لغير الغرض الاساسي الذي نصت عليه مواده؟ واين منح الدستور الحق لرئيس الحكومة، مثلا، ان يبيع فرص التوظيف في المؤسسة العسكرية لهذا المرشح او ذاك ليشتري اصواته في الانتخابات؟.
النموذج الخامس: تنص المادة (48) على ما يلي:
تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد.
فاين هو مجلس الاتحاد اذن؟ الا يعني ذلك بان السلطة التشريعية ناقصة الشرعية؟ لماذا يتجاهل السياسيون هذا النص الدستوري على الرغم من مرور اكثر من (7) اعوام على اقرار الدستور من قبل الشعب العراقي؟.
اما الجواب على الاشكال، وقديما قيل (الحق الكذاب الى باب منزله) وان (الماء يكذب الغطاس) فهو:
الف؛ ان النظام السياسي القائم حاليا في العراق هو نظام برلماني، وهو يختلف عن بقية الانظمة السياسية في كون المواطن ينتخب ممثليه في مجلس النواب فقط وليس لاي موقع او منصب آخر، ثم يمارس البرلمان صلاحياته الدستورية والقانونية لاختيار المسؤولين في مؤسسات الدولة، كرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب وكذلك رئيس السلطة القضائية وغير ذلك.
هذا يعني ان الشعب العراقي لم ينتخب الا نوابه في البرلمان فهو لم ينتخب اي من المسؤولين في اية مؤسسة من مؤسسات الدولة، فهو لم ينتخب رئيس الجمهورية كما انه لم ينتخب رئيس مجلس الوزراء ولا اي من المسؤولين الاخرين.
ولذلك فان عدد اصوات اي فائز من اي من المرشحين في الانتخابات البرلمانية لا علاقة لها باختياره لهذا المنصب او ذاك ابدا، كما ان ذلك يعني ان الناخب منح ثقته للفائز في الانتخابات ليحجز مقعده تحت قبة البرلمان حصرا وليس في اي موقع آخر، اضف الى ذلك فان ذلك يعني بان القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع اعضاء مجلس النواب هو كونهم متساوون في شرعية انتخابهم من قبل الناخب فقط، وليس لاحد على احد اية شرعية اضافية لا دستورية ولا قانونية ولا هم يحزنون، فعدد اصوات احدهم ليست امتيازا له على زميله، مهما كثرت الاصوت، خاصة في ظل النظام الانتخابي الذي جرت على اساسه الانتخابات التنشريعية الماضية، على الرغم من ملاحظاتي الشخصية على هذا القانون، ولذلك راينا مثلا كيف ان نائبا فاز بمئات الالاف من اصوات الناخبين يمنح مقعده لمرشح لم يحصد سوى عشرات الاصوات، بعد ان تم اختيار الاول لرئاسة مجلس الوزراء، ليتساوى بالحقوق والواجبات مع زميل له ظل نائبا تحت قبة البرلمان كان قد حصد مئات الالاف من اصوات الناخبين.
باء: على هذه الحقيقة الدستورية المهمة جدا، والتي تمثل جوهر النظام السياسي في العراق الجديد، نبني القاعدة الدستورية المهمة والجوهرية هي الاخرى، وهي، ان كل المسؤولين في كل مؤسسات الدولة يعينهم مجلس النواب حصرا، على اساس مبدا (التوافق والمحاصصة والتقسيم العرقي والمذهبي والديني) وللاسف الشديد، بعيدا عن اية قيم حقيقية معمول بها في دول العالم المتحضر.
ولقد تحدثت مواد الدستور بالتفصيل في هذه المهام، فعدد كل المواقع الرسمية في الدولة العراقية التي على مجلس النواب ان يملأها بقرارات منه تحديدا.
جيم: ناتي الان الى موضوع رئيس مجلس الوزراء لنعرف ما اذا كان من الممكن اليوم، وفي ظل الازمة الحالية الخطيرة التي يمر بها العراق، ترك موقعه او الطلب منه لاعادة الامانة الى الكتلة البرلمانية الاكبر، واقصد به التحالف الوطني، على اعتباره مرشحها لتولي هذا المنصب، كما ورد ذلك في المقترحات التي حملتها مقالتي الاخيرة، ام لا؟.
بادئ ذي بدئ يجب الانتباه الى ان الدستور لم يتحدث عن الرئاسات الثلاث كحزمة او سلة واحدة، وان ما حصل في المرتين الماضيتين انما هو من بدع السياسيين بسبب فقدانهم الثقة بعضهم بالبعض الاخر، فكل يخشى من الاخر ان يثبت عمرو مرشحه ويخلع ابو موسى مرشحه، ولذلك فان ربط الاقالات والاستقالات اليوم بين هذه الرئاسات هو تجاوز محض على الدستور، يمارسه السياسيون الذين يتباكون عليه من على الفضائيات.
تنص المادة (81) من الدستور على ما يلي:
اولاً :ـ يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لاي سببٍ كان.
ثانياً :ـ عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند "اولاً" من هذه المادة، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال مدةٍ لا تزيد على خمسة عشر يوماً، ووفقاً لاحكام المادة (76) من هذا الدستور.
ان نص (لاي سبب كان) في المادة الدستورية اعلاه، يترك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات، منها الموت او العجز او الفشل، ومنها كذلك اذا اعاد السيد رئيس مجلس الوزراء الامانة الى كتلته البرلمانية التي رشحته لتولي هذا المنصب، وهي بهذه الحالة كما نعرف التحالف الوطني.
اذن، فان المقترح الوارد في مقالتي هو مقترح دستوري مئة في المئة وهو لا يخرج عن الدستور والقانون وجوهر النظام السياسي البرلماني قيد انملة.
فاذا فعلها السيد رئيس الوزراء واعاد الامانة الى التحالف الوطني وترك السلطة، فسيقوم رئيس الجمهورية بمهامه الدستورية، ثم يكلف المرشح الاخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على (15) يوما.
نعم، لو كان النظام السياسي رئاسيا، وان الشعب هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء كما هو معمول به في الكثير من دول العالم، ففي هذه الحالة لا يحق لاحد، كما انه لا يحق لرئيس الجمهورية او مجلس الوزراء ان يستقيل طواعية الا بارادة الناخب حصرا، وذلك ما يسمونه بالانتخابات الرئاسية المبكرة، لان مهمة انتخاب رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء من حق وواجب الشعب حصرا، اما في الحالة العراقية فالامر يختلف بشكل جوهري.
ملاحظة بين قوسين:
قد يقول قائل بان السيد رئيس الجمهورية غائب الان عن موقع المسؤولية فمن الذي سيقوم مقام رئيس مجلس الوزراء عند خلو منصبه؟ ومن الذي سيكلف المرشح البديل الاخر لتشكيل الحكومة البديلة؟.
الجواب ورد في نص المادة (75) والتي تقول:
ثانياً :ـ يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه.
التساؤل الثاني: لماذا عارضت حل مجلس النواب واجراء الانتخابات المبكرة؟.
الجواب:
لو يتذكر القارئ الكريم معي، لانتبه الى انني اول من دعوت الى انتخابات مبكرة قبل اكثر من عامين عند اشتداد وتكرار الازمات السياسية بين الفرقاء، ثم كررت دعواتي هذه حتى كل متني، وفي كل مرة كنت اجدد فيه الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة كنت اطلب من مجلس النواب اولا الاسراع في اصلاح قانون الانتخابات، لانني كنت اعتقد، ولا ازال، بان اية انتخابات برلمانية قادمة، سواء مبكرة او في وقتها الدستوري، يتم اجراءها على اساس قانون الانتخابات الحالي، فهي عبث لا طائل منه ابدا، لان السياسيين والفرقاء الذين كتبوا القانون ضمنوا لانفسهم فوزا كاسحا في كل الاحوال، فاذا اراد الشعب ارنبا فان القانون سيسلمه ارنبا، اما اذا اراد الشعب غزالا فان القانون سيسلمه ارنبا كذلك وهو الممنون، ولذلك فان عملية تغيير قانون الانتخابات واصلاحه يجب ان تسبق اية انتخابات برلمانية جديدة، اذا اردنا ان نشهد تغييرا في بنية مؤسسات الدولة، وبما ان الجهة الدستورية الوحيدة القادرة على اجراء التغيير والاصلاح المطلوب في قانون الانتخابات هو مجلس النواب حصرا دون غيره، ذلك فليس من المعقول ان اقبل شخصيا باية دعوة لحل البرلمان قبل ان يجري التعديلات اللازمة على قانون الانتخابات، والا فعكس ذلك يعني اننا سنرحل عملية اصلاح قانون الانتخابات الى البرلمان الجديد، ما يعني ان الانتخابات ستفرز لنا مجلسا يتطابق بكل التفاصيل مع مجلس النواب الحالي (حَذْوَ القُذة بالقذة والنعل بالنعل) كما يقول المثل المعروف، لان الانتخابات ستجري بنفس المقاسات القديمة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان ذلك يعني بان البرلمان الجديد هو الاخر سوف لن يغير او يصلح قانون الانتخابات ابدا، اذ كيف يعقل ان نائبا حجز مقعده تحت قبة البرلمان على اساس قانون ما سيبادر الى تغييره، وهو يعلم بان مثل هذا التغيير سيكون عاملا مباشرا في ازاحته عن السلطة؟.
لذلك، اعتقد بان على:
المرجعيات الدينية.
السياسيين والزعماء والقادة المستقلين من الذين لم يستفيدوا قيد انملة من الوضع الحالي.
منظمات المجتمع المدني.
الاعلاميين والمثقفين والكتاب.
الشارع العراقي.
ان على هؤلاء جميعا وغيرهم ان يمارسوا كل انواع الضغوط الدستورية والقانونية لاجبار مجلس النواب على اصلاح قانون الانتتخابات، وعندها فقط ستكون الدعوات الرامية الى حل البرلمان او اجراء الانتخابات المبكرة، مجدية ونافعة لاننا سنقلص زمن الخطر وسنتجه جميعا الى الجهد الوطني المشترك الهادف الى تحقيق التغيير المرجو في بنية مؤسسات الدولة.
التساؤل الثالث: ولماذا افترضت ان يكون البديل لتولي رئاسة مجلس الوزراء للفترة الانتقالية شخصية مستقلة؟.
الجواب:
من اجل ان يضمن الشارع العراقي عدم استغلال اي طرف للسلطة في الانتخابات النيابية القادمة.
المشكلة، هي ان قانون الانتخابات الحالي ومع غياب قانون الاحزاب، افرز قوى سياسية هي كالحيتان الكبيرة التي تهضم الاسماك الصغيرة، فهي تمتلك:
اولا: المال. ثانيا: الاعلام. ثالثا: السلطة. رابعا: وفي اغلب الاحيان القوة، كالسلاح والميليشيات وغير ذلك.
فكيف ننتظر ان تفرز اية انتخابات نيابية قادمة قوى سياسية جديدة؟ الا اذا كانت الحكومة المشرفة على اجرائها مستقلة، ليس لها الا مهمة واحدة وهي التهيئة للانتخابات، فتكون واقفة على مسافة واحدة من الجميع، وبذلك فسوف نضمن نزاهة الانتخابات في اطار قانون جديد للانتخابات، ليس فيه مهيمن ومستضعف.
11 كانون الثاني 2013
مقالات اخرى للكاتب