منذ توليه رئاسة الحكومة ما فتئ "بنيامين نتانياهو" يسعى إلى تفجير الأوضاع السياسية والأمنية، وسواء كان ذلك من خلال لجوئه إلى التخندق خلف مواقف ضبابية وأخرى غير معقولة بشأن العملية السياسية، أو بعمله ضد التيار الدولي في شأن مواصلته النشاطات الاستيطانية التي كانت سبباً رئيساً في عرقلة المسيرة التفاوضية إلى أكثر من ثلاث سنوات متواصلة، أو باللجوء إلى شن المزيد من النشاطات العدوانية على قطاع غزة، أو باستهداف نشطاء فلسطينيين بالقتل أو الاعتقال، وذلك في إطار سعيه للبحث عن ذرائع للهروب من استحقاقات السلام وللضغط على الفلسطينيين للتقليل من سقف مطالبهم، وحثّهم على الرضا والقبول بما تفرضه الوقائع على الأرض.
في هذه الفترة كان هناك تصعيداً آخر من قبل "نتانياهو" وحكومته، ليس ضد الفلسطينيين وحسب، بل ضد المجتمع الدولي أيضاً، وكان على ما يبدو لإشعال المنطقة، ولفتها عن مجريات الأمور السياسية الملتهبة من جديد، وذلك نتيجة لجملة من الأفشال المتلاحقة التي تلقاها تباعاً خلال الفترة القليلة الماضية، لاسيما بعد فقدانه ألعوبة ما يسمى بالملف الايراني، وانتقاده المعلن من قِبل المجتمع الدولي وخاصة مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، حيث فشل في إقناعها بعدم اللجوء إلى مقاطعة المستوطنات، وتصعيدها باتجاه الدولة ذاتها، في حال كانت السبب في إفشال المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين، وهناك فشله في إثناء الإدارة الأمريكية في بشأن تخلّيها عن بعض بنودٍ تضمنتها وثيقة الإطار، ثم يأتي الفشل الأكبر وهو الذي تلقاه مباشرةً، بشأن إخفاقه في وضع سفينة الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى حركة الجهاد الإسلامي في القطاع، في مركز اهتمام وسائل الاعلام العالمية، حيث اختفى الاستعراض الكبير الذي أشرف عليه بنفسه، في الميناء العسكري في مدينة إيلات، من كبريات الصحف ووسائل الإعلام العالمية- باستثناء بعضها مثل (فوكس نيوز، الجزيرة والعربية)- بل وتجاهلت تصريحاته بجملتها في هذا الشأن، على الرغم من تجنيد مساعيه الممكنة والخيالية منذ بدء الحكاية.
كان "نتانياهو" قد هدد صراحةً بمزيد من عمليات الملاحقة والاغتيال خلال الفترة الماضية، عندما أعلن بأن سياسته الهجومية ضد (الإرهاب) بسيطة وواضحة، فكل من يعتدي أو يحاول الاعتداء علينا، سوف يشرب من نفس الكأس. وبحسب التصريح، يؤكد على سياسة إسرائيل القاضية بتنفيذ عمليات قتل واغتيال ضد الفلسطينيين وخاصة النشطاء منهم، وسواء كان ذلك في الداخل أو الخارج.
وكما يبدو، وتطبيقاً لهذه السياسة، فقد شهدت المنطقة خلال اليومين الفائتين، عمليات قتل واغتيال إسرائيلية، بدأت باستشهاد القاضي الأردني – فلسطيني الأصل- "رائد زعيتر" على معبر الكرامة. ثم طالب جامعة بير زيت "ساجي درويش" من قرية بيتين، ثم تلتها عملية استشهاد "فداء مجادلة" على أيدي الشرطة الإسرائيلية.
وعلى صعيدٍ آخر، قامت قوات الاحتلال بنيّة استقدام مقاومين فلسطينيين، بالتوغل في داخل المنطقة الفلسطينية المحاذية للشريط الحدودي، جنوب شرق محافظة خانيونس، لتتمكن من استهداف ثلاثة نشطاء من سرايا القدس، خلال قصف إسرائيلي نفذته طائرة استطلاع إسرائيلية. وهم "إسماعيل أبو جودة، شاهر أبو شنب، عبد الشافي أبو معمر"، ومن ثم قامت بتحميل حركة حماس مسؤولية الحادث، باعتبارها تسيطر على كامل القطاع وأن الكل يخرج من أمام عيونها.
ولا شك، فإن المنطقة الآن، تشهد تطورات تصعيدية إسرائيليّة واضحة واستفزازيّة خطيرة، ربما تكون مقدمة لخطوات عسكرية أكثر تقدّماً، لاسيما في ضوء ما تشهده الأوضاع السياسية العربية، باعتبارها الأسوأ على مر التاريخ، وخاصةً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين.
كانت الخارجية الفلسطينية، قد حمّلت الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية جرائم القتل المتعمد التي يُمارسها ضد المواطنين الفلسطينيين، وأدانتها بشدة، وأبدت استغرابها من صمت المجتمع الدولي، وهيئات الأمم المتحدة المختصة إزاء هذه الجرائم وتلك المستمرة التي يرتكبها الاحتلال على طول الزمن، واعتبرتها منافية لكل القوانين الأخلاق والإنسانية.
من جانبها أعلنت سرايا القدس، بأن التهدئة المعقودة مع الكيان الإسرائيلي، وصلت لمرحلة الشيخوخة وربما تنهار في أي وقت، بسبب تعدياته المتتالية، وحذرت إسرائيل من مواصلة أنشطتها ضد المقاومين الفلسطينيين، وذكّرتها بأن تلك الحادثة لن تمر بهدوء.
أثبتت الأيام، بأن إسرائيل بقدر ما تريد التهدئة، فهي بنفس القدر تريد تفجير الأوضاع وسواء السياسية أو الأمنية، وبحسب ظروفها التي تراها مناسبةً لها، ولذلك فهي تُمعن باستهداف الفلسطينيين (شعباً وقادة ومقدّسات)، للهروب من دفع مستحقات السلام، ومتعمدةً لعرقلة كافة الجهود التي تبذل لتحقيق أيّة تسوية، ولذلك فلا يجب بأي حال تمكينها من تحقيق أغراضها، ولولا الظروف القاسية، والمتأتية من كل ناحية، على عموم الشعب الفلسطيني، وخاصةً من قِبل العالم ومؤسساته الحقوقيّة التي لم تُحرك ساكناً، لكان الوضع مختلفاً، ولما تمادت إسرائيل بالنسبة إلى صلفها وغطرستها لتبلغ درجة لم نشهدها من قبل لا في عِلمنا ولا في أحلامنا أيضاً، لا سيما وأنها باتت تتكئ وبشدّة على أن هناك من يساندها بالدعم في سياستها الاحتلالية وممارساتها الدموية، إن لم يكن بالفعل، فهو يتأتى بالتراخي والتملص من المسؤوليات. وفي ضوء ما تقدّم، فإن تخفّي البعض وراء بيانات الشجب والإدانة وشعارات الكرامة والوطنية، لم يعُد مجدياً، بسبب أنها لا تقي من حرٍّ، ولا تُغني من جوع.
مقالات اخرى للكاتب