تسعةُ أيّامٍ تفصلُكَ عن انطفائكَ الأخير
عليكَ الآن أنْ تحترمَ شموخَك !
أنْ تنتظرَ نهايةَ الحلم
بحكمةِ شيخٍ يُعاتبُ قبّـراتِ الأمس
لا تلُذْ بالصمت
فلابدَّ للكتابِ مِنْ صفحةٍ أخيرةٍ تُبلِّــلُها دموعُك
لابدَّ للسنابلِ
مِنْ منجلٍ رحيمٍ يُمارسُ عشقَ الحصاد
لابُدَّ للقلبِ مِنْ سهمٍ يُعلِّمُهُ حرارةَ الأمنيات
تسعُ لحظاتٍ فقط
تلك التي تنتظركَ في آخرِ الكون
عِشْها كما يجب
عانقْها كما لم تُعانقْها منْ قبل
أطلقْ دمعتينِ حائرتين من إسارِ بداوتِك
لا تقطفْ وردتَك التي سقيتَها بنبضِك
وأثخنتَها بشياطينِ شعرِكَ المارقين
فالكلماتُ مدينةٌ لقصائدَ لم تُكتبْ
واللقاءاتُ ...
قصاصاتُ ورقٍ تُبعثرُها الأسئلة
لك الآن أنْ تصفعَ سماءك العارية
أنْ تمنحَ العصافيرَ جولتَها الأخيرة
أنْ تُشرعَ نافذتَك المترعةَ بالغيوم
أنْ تصنعَ نعشاً بتسعةِ أيّامٍ
يليقُ بصمتِ الياسمين
تسعة أيام ...
ثم تستوي على عرشِ حزنك الأبدي :
(اليوم الأول)
شاعرٌ يزرعُ قصيدة
يدشّنُ جرحَ المدينة
يزرعُ قلبه في أحضان الطريق
بين عتمتين راعشتين
على مقربة من آخر حرف
يُعلنُ إفلاسَهُ الأبدي
عصفورٌ يعانق موعدَهُ الصغير
تحت أقدام الخديعة
هو الآن يبتسم !
لأنه سافر دون لحظةِ رحيل
دون إيماءة وداع
دون أنْ تبلل قلبَهُ
دمعةُ أمٍّ أدمنتْ طهارة الياسمين
هو الآن يبتسم
لأنه مات حيث يحب !
(اليوم الثاني)
على منصةِ النيران
أيائلُ بعثرتْها رياحُ المنافي
فاكتسى عريها بشراع البنفسج
أوردةٌ تتعانقُ فوق ذاكرةِ المنفى
تتحسسُ غربة الأرجوان
عينانِ تحترفانِ ترويضَ الجبال
وتبتكرانِ لوناً آخر للسماء
وطعماً مبكراً للهزيمة
في مكان آخر
على قارعةِ قصيدةٍ لم تكتبْ
شجرةٌ تطوي ذاكرتَها كلَّ عام
تمسحُ أسماءَ عشاقها الراحلين
وتفتحُ أضلاعَها للعصافير
ما أسعدَها
وهي تغطي عريَ لحظاتِنا الماضية !
(اليوم الثالث)
تحيةٌ غائبةٌ خلف فضاءات الدهشة !
رسالةٌ تتعثرُ خلفَ قضبان النهاية !
القناديلُ المسجاةُ بانتظار الوهم
سيوقدها تموز
سيشعلُ أرواحَها المطفأة
سترقصُ ابتسامتُه
على أشلاء صيفنا الجنوبي
العاشقُ الذي باغتتْهُ النهايةُ على حين همسة
لن يغفرَ للهجيرِ قتلَ النوارس
لن يستبدلَ حزنه بفرحةٍ أخيرة
لن يُقايضَ أمسَهُ بمستقبلٍ مجهول
سيتركُ غيمته البيضاء
تغفو في أحضان النهر !
ويمضي ..
(اليوم الرابع)
صورةٌ واحدةٌ تكفي لاغتيالِ البياض
صورةٌ واحدةٌ تكفي
لتثبتَ وقعَ أقدامك فوق أنفاس المدينة
لا ترسمْ وجهك فوق وجوهِ الحيطان
لا ترم سهامك نحو جذوع الأشجار
صورةٌ واحدة تكفي
لمحو ما تبقى من الذاكرة
(اليوم الخامس)
رئةٌ تتآكلُ
وابتسامةُ وداع
لا توضِئ وجهك بدمعةٍ غابرة
فحزنُكَ لما يولدْ !
(اليوم السادس)
طريقٌ معبدٌ بالدموع
مولعٌ بارتكابِ الهزائم
صخرةٌ تتكدسُ فوقها أحلامُ القادمين
وأخرى
تحملُ رسائلَ
غسل المطرُ ما تبقى من حروفها
شمعةٌ في آخر العمر القصير
أطفئها برفق
وعانق مقصلة الانتظار
(اليوم السابع)
الأبوابُ المشرعةُ كفجيعة
الموصدةُ كأحلامك
كأغنيّةِ بَحَّارٍ ينادي الأفق :
" يا مال ..
يا مال ..
لا مال ولا أهل "
أباحَ الغيمُ نجمتَهُ الوحيدة !
بوصلةٌ تلامسُ قاع السراب
وتدفنُ اتجاهاتها بالظمأ
الأبوابُ المشرعةُ حدَّ الذهول
سيوصدُها حزنك السومري
لا تذقْ نكهةَ الانتظار
فدمعةٌ واحدةٌ تكفي
لتقلَّـــك إلى ضفةٍ راعشة
حينها سترتقي سنامَ موجةٍ ذاهبة !
لم يبقَ غيرك في المدينة
والأبوابُ المشرعة كفجيعة
سيوصدُها انطفاؤك !
(اليوم الثامن)
يومٌ واحدٌ فقط يفصلك عن الرجوع الأخير
لا طريقَ للعودةِ سوى ذاكرةٍ مثقوبة
وقصيدةٍ من سراب
لا مدينة تقفُ باستقبال رفاتك الشعري
لا ياسمين يُطوّقُ شعرك الأبيض
وحده موزارت
يعزفُ لحنه الجنائزي بانتظارك
لستَ فينيقاً لتنهضَ من رماد الحكايات
لستَ سوى كلمةٍ نازفة
سينطقها يومُك التاسع :
(اليوم التاسع)
النهايـــــة