ما أجمل تلك الأيام الماضية الجميلة التي قضيتها وأنا ذاهبة إلى المدرسة حيث كنت أتمشى على جسر حديدي جميل وصغير يعبر من خلاله أهل مدينة المسيب من جهة إلى الجهة الأخرى أحببت ذلك الجسر جدا وكلما أمر من عليه أقف لقراءة تاريخ تأسيسه المحفور على قطعه حديديه فيه وانظر من خلاله إلى المياه وأنا أرى قوارب الصياديين محاولين صيد بعض الأسماك لبيعها والحصول على قُوتهم منها ما أجمل تلك اللوحة الفنية التي أراها كل يوم وأنا راجعة من السوق وقت الغروب وحمرة الشمس تتلألأ ومن ثم تذوب في المياه شيئاً فشيئاً فدفعني الفضول وحب الاستطلاع إلى أن اسأل حجي هاشم والدي الذي اعتلى رأسه الشيب وعيناه عنوة يبصر بهما طريقه بسبب الحروب التي شهدها أثناء خدمته العسكرية فحدثني عن تاريخ ذلك الجسر بكونه نشأ وترعرع في مدينة المسيب فأخبرني قائلاً :لم يكن هذا الجسر الحديدي موجوداً . قبله كان هنالك جسر خشبي يعبر من خلاله الناس الى الجهة الأخرى, والجسر الخشبي كان عبارة عن أخشاب مربوطة بحبال متينة ومثبتة جيداً يستطيع الناس العبور عليه ومن الطرافة عندما كانت تلك الحبال تنقطع بسبب سرعة جريان المياه وارتفاع منسوب نهر الفرات يقول سكان المسيب انقطع الجسر لأنه زعلان فيقومون من جديد بإعادة ربطه بتلك الحبال.
وبعدها قررت الحكومة أنشاء جسر حديدي في الثلاثينيات من القرن المنصرم حيث بدأ العمل به عام 1932 م وانجز في 1937 م ونقل الجسر الخشبي إلى مكان أخر من المدينة حيث كان يعتمد على ركائز بدائية من الحديد وليس من الكونكريت ولا يفي بالغرض وتم افتتاح الجسر الحديدي الجديد في زمن الملك غازي وأقيمت احتفالية كبيرة في الصوب الصغير من قضاء المسيب التابعة لمحافظة بابل ويرجع اسم المدينة نسبة إلى التابعي سعيد بن المسيب وقيل من اطلق عليها هذا الاسم هو احد الخلفاء العباسيين وذلك لجمالها وكثرت خضرتها فللجسر أهميه كبيرة حيث يربط الصوب الصغير بالصوب الكبير للمدينة ويعد الجسر أيضاً طريق رابط بين بغداد وكربلاء المقدسة ومن خلاله يتم تسهيل حركة وسير الناس وحركة نقل بضائعهم. ولإكمال أعمار الجسر واهتمام الحكومة بانجازه في ذلك الحين كثرت المقاهي على جانبي الجسر من نهر الفرات وكثر بها الشعراء والمغنون الذين تغنوا بمدينة المسيب وجسرها الجميل. حيث قِيلَ إن المغنية (صديقة الملاية) المعروفة بذلك الوقت كانت قد أحيت حفلة في تلك المدينة وأثناء تلك الحفلة أعجبت بأحد شبابها وكان جميلاً حسن الصورة أسمه (جواد الصيهود) وغنت تلك الأغنية التي تقول فيها (جواد ، جواد مسيبي ) وتغنى بالجسر أيضا المطرب الكبير الراحل ناظم الغزالي عن قصة عشق لفتاة أسمها وشلة كانت تحب شاباً وسيماً لديه صوت جميل وكان يملك قارباً صغير وكلما يمر بها يغني لها أجمل الأغاني ولسوء حظ الفتاة غرق الشاب فحزنت عليه وشلة حزناً شديداً وظلت تجلس على الشاطئ بالقرب من جسر المسيب بصحبة احدى صديقاتها وأسمها ميحانه فتبكي وتقول ولج ميحانه ميحانه غابت شمسنه والحلو ماجانهَ فقصتها هذهِ ألهمت الشعراء والمغنين فأطربَ ناظم الغــــــزالي قائلا :-
ميحانه ميحانه ..ميحانه ميحانه
غابت شمسنه والحلو ماجانه
حيك .حيك يابهَ حيك ..الف رحمهَ على بيك
هذولهَ العذبوني ..هذولهَ المرمروني
وعلى جسر المسيب سيبوني
فما اروع هذه الكلمات التي تغنى بها المطرب ناظم الغزالي ليعبر بها عن جمال الجسر وارتباطه بالناس وهكذا يكون تاريخ هذا الجسر حافلاً بتراثه الكبير والهامه للكثير من المطربين الذين غنوا له وأبدعوا من خلاله.
مقالات اخرى للكاتب