بيان طلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف
حول معرض العتبة العلوية التاسع للكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) الرعد 17
أثار قرار منع دور النشر المهتمة بكتب المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، استياء الكثير من طلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف والمثقفين العراقيين لما لهذا القرار من تداعيات على مستوى الحركة الثقافية الإسلامية في العراق.
وقد جاءت المفاجأة أن المنع طال مؤلفات أحد مراجع الدين والفقهاء المجددين، ورموز من رموز الفكر الإسلامي المعاصر، والابن البار لحوزة النجف الأشرف حيث تتلمذ على يد كبار علمائها وفقهائها وابرزهم زعيم الحوزة العلمية واستاذ الفقهاء والمجتهدين ابو القاسم الخوئي قدس سره. فلقد كان متوقعاً أن تهتم العتبة العلوية في معرضها للكتاب السنوي بعلماء النجف الأشرف وخريجي حوزتها، لا أن تقوم بمنع كتبهم وتراثهم العلمي من المشاركة.
لقد عُرفت النجف الأشرف بانفتاحها على الحياة الفكرية، وتميزت بأنها صاحبة الحجة القوية والعطاء الفكري والخزين المعرفي الهائل للمسلمين الشيعة، مما يعني أن يكون معرضها للكتاب هو الأكثر اتساعاً، لا سيما لمن تخرج منها وأخذ فكره من حلقاتها الدراسية، لا أن تعمل على فرض الحظر بدون أسباب مقنعة، وربما لحساسيات ودوافع شخصية تكمن وراءها عقد وحسابات وهمية ضد الراحل السيد فضل الله (عليه الرحمة).
إننا نعيش في عالم يشهد اتساعاً معرفياً متزايداً، وسط تطورات تقنية كسرت الحواجز والحدود، وصار الفكر ميسوراً على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، الأمر الذي يجعل عملية الحظر والمنع على هذا الكتاب أو ذلك المؤلف، أمراً خارج لغة العصر، وعودة الى الوراء بعين لا ترى الواقع ولا تعيش الزمن الحاضر. بل ما تزال تفكر في غرف الظلام وتخطط في الاوهام.
كنا نأمل ان يكون معرض الكتاب السنوي الدولي في العتبة العلوية، مجالاً مفتوحاً لتقديم التراث الاسلامي الشيعي، والنتاجات الفكرية لعلماء الشيعة على أوسع نطاق ممكن، لتشكل هذه المناسبة مهرجاناً فكرياً ثقافياً يعكس حقيقة الوسط الشيعي من حيث التسامح والانفتاح والثقة بالنفس، لكننا صدمنا بهذه النظرة المحدودة، وبهذا الاجراء المنغلق بمعايير غير مفهومة مع مثل هذه المناسبات والمهرجانات الثقافية.
وأغرب ما في هذا الاجراء، أنه يقف معاكساً لما تحتاجه الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية من نشر لفكر الاعتدال والحوار والتسامح، وهو ما تميزت به مؤلفات السيد فضل الله (قدس سره) ومدرسته الفذة، فقد كان رائد الحوار الفكري داخل الساحة الإسلامية، بل وتعداها الى الساحة العالمية، حين اطلق مشروعه في الحوار الإسلامي المسيحي وخصص له مجلداً ضخماً انتشر على نطاق واسع، ونال اعجاب المفكرين من مختلف المذاهب والاتجاهات، وكان نقطة إيجابية كبيرة لصالح المسلمين الشيعة وتوجهاتهم في البحث عن نقاط اللقاء ورفض العنف والقطيعة مع الآخر.
ما تحتاجه الساحة الإسلامية، والعراقية خصوصاً، هو ثقافة التسامح والوعي، وهو ما يتجسد في مؤلفات السيد فضل الله، فلقد كرسها من أجل محاربة التخلف والتطرف والعنف، وتحكيم لغة العقل والحوار والتفاهم والتلاقي مع الآخر على المشتركات.
إننا نعتقد ان العتبة العلوية الطاهرة، ومن يقف وراءها في رئاسة ديوان الوقف الشيعي ان يعيدوا حساباتهم، وإن يعرفوا جيدا إن الفكر لا يواجه الا بالفكر، وإن الدليل لا يرد الا بالدليل، وإن هذه الاساليب الساذجة التي تحاول أن تستر شعاع الشمس بالغربال لهي اساليب متخلفة، لا تستطيع ان تطفي ضوء الشمس الذي يغمر العالم بالدفئ والعطاء.
ندعو العلماء المخلصين الواعين، وخطباء المنبر الحسيني المتنورين، وطلبة الحوزات العلمية، والجامعات والمثقفين من ابناء الامة، الى ترويج ثقافة الحوار الفكري، ونشر فكر التسامح كما جاء في القرآن الكريم وسنة الرسول (ص) الصحيحة، ومنهج أهل البيت عليهم السلام، من أجل تعميق وحدة الصف الاسلامي الشيعي، والابتعاد عن كل الاساليب المتشنجة التي تمزق الامة وتفرق بين ابنائها. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
مجموعة من طلبة الحوزة العلمية
في النجف الاشرف.
11/جمادي الاخرة/1438 هـ