ثورة الشباب المصري في 25 يناير 2011م، كانت تطمح بتغيير النظام الدكتاتوري لتحقق للإنسان المصري ما يصبو إليه من أجواء الحرية (السياسية، الإعلامية، الدينية....الخ) ، لكنها سرعان ما تراجعت لتبرز حركات دينية متشددة تدعو إلى العنف والتهميش، وتحاول التفرد والاستبداد بالسلطة والرأي، فأصبح العنف سمة تلازم المشهد العام في مصر، وهو ما يثير قلق العاملين في نشاط حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن.
مصر هي إحدى الدول التي استطاع شبابها المنتفضين الإطاحة بنظام حكم دكتاتوري قمعي صادر الحقوق والحريات لسنوات طويلة، لكن الأحداث والمتغيرات التي تلت الثورة أفرزت تنظيمات سياسية ودينية تسعى للتفرد والتسلط.
كان من المتوقع أن ترفع الثورة في مصر الحيف والظلم الذي وقع على الشعب المصري كله، لاسيما الأقليات الدينية التي عانت كثيراً في زمن الحكم الاستبدادي السابق باعتبارها ثورة شعبية تهدف إلى صون حقوق وحرية الإنسان وتدافع عن أمنه كرامته، ومن بين هذه الأقليات (الشيعة) المصريين الذين حرموا من أبسط حقوقهم الدينية والسياسية لعقود طويلة.
لم تكن الحكومة المصرية –قبل ثورة 25 يناير- تعترف بأي جماعة دينية اعترافاً رسمياً إلا بعد أن تقدم تلك الجماعة طلبا إلى إدارة الشؤون الدينية بوزارة الداخلية، وهذه الأخيرة تحدد ما إذا كانت هذه الجماعة أو تلك تشكل خطراً على "الوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي أم لا" . وكان شيعة مصر قد قدموا العديد من الطلبات إلى وزارة الداخلية إلا أن جميعها رفضت أو لم يجاب عليها، ليس هذا وحسب بل وضعت الحكومة المصرية يدها – في عام 1979-على مسجد الشيعة الوحيد المعروف بـ( مسجد آل البيت) وضمته إلى المساجد التابعة لها.
شعر المصريون جميعا ومنهم المصريون الشيعة في مصر أن ثورة 25 يناير، ستتيح لهم بيئة أفضل في التعبير عن أفكارهم وعقائدهم وممارسة شعائرهم وطقوسهم المذهبية الخاصة، ولكن هذا الشعور سرعان ما بدد حينما أنبرى بعض من رجال الدين المتطرفين في المصر واصدر فتوى تحرض على التصدي (للخطر الشيعي) وتطالب الجهات الحكومية بمنع الشيعة المصريين من استعادة مسجدهم أو إنشاء مساجد وحسينيات خاصة بهم.
ومنذ أن أصبح محمد مرسى، أول رئيس إسلامي لمصر، تتزايد التكهنات بشأن ما يحمله المستقبل للشيعة والأقليات الدينية الأخرى في مصر في ظل حكومة قد تتحالف مع أطراف متشددة لتعزيز قبضتها على السلطة، وفي ظل أوضاع أمنية صعبة تسهم في خلق بيئة غير آمنة تسهل على المتطرفين والمدعومين من الخارج وبخاصة من بعض دول الخليج مهاجمة الأقليات الدينية في مصر بما فيها الأقلية الشيعة، واستمرار التحريض الإعلامي المستمر ضد الشيعة بحجة الحد من النفوذ السياسي الخارجي. ناهيك عن عدم وجود تشريعات تضمن للأقليات الدينية حقوقها في حرية التعبير عن شعائرها ومعتقداتها.
لاشك أن التهديدات والمضايقات الرسمية وغير الرسمية التي يتعرض لها أتباع الطائفة الشيعية في مصر، وصدور هذا النوع من الفتاوى التحريضية ضدهم لا ينسجم والنصوص الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنها المادة (18) التي تنص على أنه (لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة)
إن جميع القوانين والأعراف الدولية والإنسانية تساوي بين المواطنين على حد سواء في الحقوق والواجبات، ولا سلطان لأحد على معتقدات الناس وتفكيرهم وضمائرهم، ولا يحق لأحد أن ينصب نفسه قيماً على الآخرين ليكفر من يشاء ويقبل من يشاء، وعلى هذا الأساس فالحكومة المصرية مطالبة بحفظ حقوق جميع المصرين على اختلاف انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية وعليها أيضاً أن تنظر بعين الحكمة لما تعانيه الأقليات الدينية في مصر من انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان وحرياته، وعلى الأمم المتحدة أن تساعد عبر ممثليتها في مصر جميع الأقليات- ومنهم الشيعة - كما تفعل ذلك في العراق وبلدان أخرى.
* عضو الفريق القانوني في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات