استبداد الحاكم كارثة تصيب المجتمع, والحاكم الجاهل هو الآخر يشكل كارثة أكبر على المجتمع, ولكن إذا اجتمع الاستبداد والجهل في حاكم واحد فهي المأساة والمهزلة في آن, وهي الكارثة الأعظم التي تصيب شعب ما وبلد ما. وهو ما نحن فيه بالعراق في الوقت الحاضر. والمأساة الأكبر إن من يحيط بالحاكم الجاهل المستبد لا يختلفون في شيء عن سيدهم, فما العمل؟ والشاعر العربي يقول: إذا كان رب البيت بالدف ناقر فشيمة أهل البيت كلهم الرقص الحاكم المستبد يهيمن على السلطات الثلاث والسلطة الرابعة ويحتكرها لنفسه ويخضعها لقراراته النفعية والارتجالية ويجعل من يعمل فيها إمعات تسبَّحُ بحمدهِ وتصلي له بكرة وأصيلا ويقضي من يمتلك العلم والمعرفة والخبرة الضرورية للحكم. والحاكم الجاهل يعتقد أنه يعرف كل شيء ولا حاجة لرأي ونصائح الآخرين, فهو العالم الذي منحه إلهه كل شيء وليس بحاجة إلى أحد. وحين يجتمعان في حاكم واحد, على المجتمع أن يقرأ السلام على مستقبله حين يعجز عن إقصاء الحاكم الذي أقصى أو ابعد المجتمع كله وكلية من دائرة الحكم. قبل سنوات أربع, وبالتحديد في العام 2009 هدد الحاكم بأمره محافظ البنك المركزي بأنه سيكون الذي يتصرف بأموال البلاد والعباد, بالاحتياط الموجود في البنك المركزي حين رفض محافظ البنك المركزي أن يستجيب لإرادة ورغبات الحاكم الجاهل بأمر الاقتصاد والمال والدستور وقانون البنك المركزي. كان ذلك في اجتماع للجنة الاقتصادية الوزارية في العام 2009 حين تجرأ محافظ البنك المركزي, وهو العالم الاقتصادي والمتخصص بالشؤون المالية, علناً أن يقول للحاكم المستبد بأمره بأنه كمحافظ للبنك المركزي يلتزم بالدستور والقانون ولا يمكنه التصرف باحتياطي البنك المركزي لما يرغب به رئيس الوزراء, وإن شاء الأخير ذلك فما عليه إلا أن يغير الدستور وقانون البنك المركزي. فتوعد رئيس الوزراء وهدد المحافظ علناً. ونفذ وعيده وتهديده بإبعاد محافظ البنك المركزي بعد ثلاث سنوات وطلب اعتقاله وفريق العمل في البنك بمن فيهم نائب المحافظ والسيدة المعتقلة حتى الآن التي رفضت الخروج بكفالة لأنها لا ترى نفسها مذنبة وإن ما جرى حتى الآن يناقض الدستور وقانون البنك المركزي. النتيجة المنطقية لعمل الحاكم الذي جمع الاستبداد السياسي والجهل بأمور الاقتصاد والمال الذي فرط بفريق عمل يملك العلم والمعرفة والتجربة الغنية على الصعيد الدولي والمحلي وأتى بفريق على رأسه من لا يفهم بكل ذلك, إضافة إلى اختيار الحل الأمني بدلاً من الحلول السياسية للمشكلات القائمة والفوضى الراهنة وغياب الاستقرار وبدء تفاقم الإرهاب ..., أن بدأ سعر الدينار العراقي يتدهور مقابل الدولار الأمريكي وبقية العملات الصعبة. وحسب المعلومات المدققة فقد انخفض سعر الدينار العراقي مقابل الدولار 8% خلال الأشهر الأخيرة, أي بعد أن مارس الحاكم بأمره قرار طرد واعتقال فريق العمل الفعال في البنك المركزي. وقد نشأ هذا لأسباب كثيرة منها قلة المعروض من الدولار الأمريكي مقابل الطلب المتزايد عليه. وقد أكد ذلك "رئيس مجلس إدارة مصرف الشمال وللاستثمار والتمويل نوزاد داوود الجاف في حديث إلى (المدى برس)، إن "البنك المركزي العراقي لم يلب احتياجات السوق العراقية من العملة الصعبة منذ أكثر من خمسة اشهر"، مبينا أن "اكثر من ثلي الاحتياجات تلبيها البنوك المحلية ما يحدث ارباكا كبيرا ما بين التجار والبنوك". وبين الجاف أن "قسما كبيرا من السياسيين ومسؤولي البنك المركزي يؤكدون أن احتياجات العراق من العملة الصعبة تتراوح بين 85 الى 90 مليون دولار باليوم لكن في الحقيقة السوق بحاجة الى اكثر من 250 وتصل الى 300 مليون دولار يوميا". وأكد الجاف أن "هذا الكلام لم يأت من دون مستندات او اثباتات"، موضحا ان " أغلب المواطنين يستبدلون الدينار العراقي بعملة الدولار وهذا احد الدلالات على احتياج السوق إلى الدولار". (المدى, المدى بريس, مصارف أهلية عراقية: البنك المركزي لا يوفر إلا ثلث احتياج السوق من الدولار ويرضخ لضغوط سياسية وإعلامية. نشر بتاريخ 7/4/2013) ماذا يعني ذلك بحساب الفرد والمجتمع؟ إنه يعني انخفاض القوة الشرائية للدينار العراقي وتدهور في مستوى معيشة الفرد العراقي, وخاصة ذوي الدخل المحدود, ويعني زيادة في التضخم الذي استطاع الفريق المعزول السيطرة عليه بشكل مناسب والحفاظ على سعر صرف الدينار الواحد بحدود 1180 دينار عراقي للدولار الأمريكية الواحد, ويعني الكثير ... وقد أجبر هذا الأمر أن "دعا صندوق النقد الدولي البنك المركزي العراقي إلى "اتخاذ تدابير تدريجية نحو تحرير عرض النقد الأجنبي من خلال المزادات التي يقيمها البنك وذلك حتى لا تتكرر الاضطرابات التي تعرضت لها السوق المالية في العام الماضي". والتي ما تزال مستمرة ومتفاقمة. إن الحاكم العاقل حين يدرك الخطأ الذي ارتكبه بإخلاله باستقلالية البنك المركزي وتفريطه بالمسؤولين عن إدارته وعين مكانهم من لا يمكنه أداء المهمة بشكل مناسب, أن يتراجع عن مواقفه ويعيد الأمور في البنك المركزي العراقي إلى مجاريها الطبيعية. ولكن أين نحن من هذا! فالحاكم المستبد و ... فإن من طبيعته وسلوكياته اليومية هو الإصرار على ما ارتكب من أخطاء إذ تأخذه العزة بالإثم وتهيمن عليه وتدفع به ليواصل المسيرة المدمرة إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. فليس هناك في العالم كله من هو أعلم منه, وهكذا هو شأن المجانين إذ يرون إنهم الأعقل وبقية الناس مجانين.
مقالات اخرى للكاتب