في التاسع من نيسان العام الفين وثلاثة وقعت في العراق اربع انعطافات، وقل اربعة زلازل، ربما تعني، في التحليل التبسيطي، شيئا واحدا، او نتيجة واحدة، لكنها في الواقع اسفرت عن تشظيات عميقة في الواقع العراقي موزعة بحسب الموقف مما حدث، وعلى ضوء النتائج التي انتهت اليها الاحداث.
فما حدث (اولا) سقوط مدوٍ لنظام الحزب الواحد الدكتاتوري الذي خاض حربين في وقت واحد، وخسرهما، واحدة ضد القوات الامريكية البريطانية المغيرة بغرض دحرها، والثانية، ضد الملايين العراقية لجهة قهرها وتكبيلها وإذلالها، وشهد هذا اليوم، ايضا، سقوطا آخر لمدينة بغداد امام جحافل اللصوص والجريمة المنظمة والنهابين وعصابات السطو التي تشكلت على عجالة.
وما حدث (ثانيا) احتلال بكل تطبيقاته المدرسية إذ استند الى قرارات المجتمع الدولي التي بلغت تسعة عشر قرارا وبخاصة القرار 4771 الذي حذر العراق من “العواقب الوخيمة” واباحت في النهاية، وبحسب البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، استخدام القوة لاجبار النظام على تقديم بيانات تفصيلية عن اسلحة الدمار الشامل التي يُعتقد انه كان يمتلكها، ثم شرعن مجلس الامن هذا الاحتلال بقراره المعروف 1483 في اكتوبر العام 2003 واخضع العراق فترة عامين لموجبات هذا التفسير.
كما حدث في هذا اليوم (ثالثا) تغيير في هوية الدولة، فقد دخلت البلاد في طور انتقالي من الدولة المركزية المفرطة (حكم الفرد) الى الدولة الاتحادية ضمن فضاء مفتوح من الحريات وصراع الارادات والمشاريع وغياب الادارة الحازمة والتدخل الاقليمي واعمال النهب والارهاب والقتل وانهيار الخدمات، فيما شمل التغيير نحو الافضل (وإن بمستويات متفاوتة) قوانين وهياكل ادارة ومعيشة شرائح واسعة من السكان ومكتسبات تدخل في ممارسة حرية الراي والتنظيم وخطوات في الديمقراطية.
وحدث في هذا اليوم (رابعا) ما يمكن تسميته، بحذر، التحرير، فقد تحرر العراق من موصوف الدولة الاستبدادية واجهزتها القمعية التي كانت تدير شؤون البلاد كأية قوة نموذجية للاحتلال الغاشم، وإن لم تكن قوة اجنبية.
والمفارقة هنا في هذا المشهد تتمثل في ان الكثير من الجماعات العراقية استذكرت هذا اليوم.. منها مَن يمتنّ له لما اعاد له من حقوق مهضومة ويسرّ له فرصا كانت مصادرة ومحتكرة، وهناك من يغضب عليه لأنه القى به الى ساعة الحساب وخارج امتيازات السلطة والجاه، لكن ثمة بين هذه الجماعات مَن يمتنّ بالسرّ للتاسع من نيسان ويشكره على نعمه وفرصه الوافرة، ويشتمه بالعلن، ثم يتظاهر ضده من على واجهة الشاشات الملونة.
“لا تستطيع أن توقظ شخصا يتظاهر بالنوم..”.
حكمة
مقالات اخرى للكاتب