تبدد حلم الحرية، فبعد 11 عاما من إسقاط صدام حسين ما زال العراق حائرا لم يقرر ساسته شيئا بعد. إقليم كردستان حقق الحلم ويقترب من أن يكون دولة لكن باقي العراقيين ما برحوا ينزفون ويسحقهم الفساد. كيف ينظر الناس إلى ما حدث؟
11 سنة مرت ثقيلة صعبة على العراقيين، وهم الذين فرحوا بإسقاط نظام صدام حسين الديكتاتوري. كان اغلبهم ينتظر غدا أحسن ومستقبلا أفضل. تحسن الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ، وتحسنت مستويات الدخل بمعدل 3000 %. و يعيش العراق أفضل حرية إعلامية في المنطقة، والناس لا يخافون الحاكم، والحكام لا يملكون زبانية الجحيم تتعقب الناس وتسد أفواههم وتقتلهم، بل إن الحاكم بات يخاف الناس، وهذا أفضل تجسيد للديمقراطية. فالناس اليوم ينتقدون المالكي بأشد الكلمات ، علنا أمام وسائل الإعلام، ولا يهددهم أي شيء، بل أنّ أحد الأشخاص ضرب بحذائه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وهو برفقة المالكي في بغداد ولم يصبه شيء، بل هو يعيش الآن في سويسرا وتنفق عليه بعض المنظمات باعتباره "مناضلا عالميا".
ولكن هذا لا يعني أن العراق قد تحول إلى جنة، فالأمن غاب بغياب نظام صدام البوليسي القمعي ولم يعد.والنظام العام غاب بسقوط صدام حسين ونظامه ولم يعد، والفساد الذي كان شائعا في عهد صدام، أصبح لازما واجبا ويكاد يكون مشروعا هذا اليوم. والعشائرية أصبحت هي القوة الثانية في البلد، والطائفية سمة شائعة، حتى أن أي إنسان قبل أن يسال عن وظيفة الآخر، بات يسأل عن طائفته. التباعد بين مكونات العراق صار كبيرا، والنسيج المجتمعي أضحى مفككا، ومشكلات البلد تهدد اليوم وحدته، فيما يفقد العراق موقعه الدولي بشكل متزايد، نتيجة فقدان الثقة بجدية مشروع الدولة فيه، فهل ندم العراقيون على التغيير في عام 2003، وهم في سوادهم لم يساهموا في صنعه ؟ وكيف ينظر العرب إلى هذا التغيير؟
" أمريكا دخلت العراق وأسقطت عصابة صدام حسين ونحن نشكرها لذلك"
الكاتب والإعلامي قاسم المرشدي مدير صحيفة العراق نت الالكترونية، شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW وعرض ما كان يجول في ذهنه في 9 نيسان 2002 ، أي قبل عام من الزلزال الذي أطاح بصدام حسين وبكل المشروع القومي معه، مشيرا إلى انه واحد من ملايين العراقيين الذين حلموا بسقوط نظام صدام حسين" وقد وقفت مع التغيير قلبا وقالبا، وعملنا مظاهرات ومقالات ونشاطات للتغيير، ولكننا لم نكن على يقين بأن أمريكا سوف تدخل إلى العراق وتسقط عصابة صدام حسين ، ولكنها فعلت هذه المرة ونحن نشكرها لذلك".
فقد استعاد ذكرى 9 نيسان 2003 مؤكدا ان سقوط الطاغية ونظامه الحاكم آنذاك كان انجازا كبيرا " وهي فرحة في أعمارنا لن ننساها، لا يمكن أن نقول ياليت الزمان يعود ".
وتحدث الساعدي عن العراقي المعروف بابي تحسين، والذي تناقلت محطات التلفزة صورته بعد سقوط نظام صدام وهو يضرب بنعله صورة الديكتاتور ( وهو فعل كان قبل يومين من ذلك التاريخ سيقود القائم به إلى الإعدام أو ما هو أسوأ منه)، معتبرا أن ذلك الفعل هو " تقييم تاريخي لتلك الحقبة ولكل الذين يمجدّون ذلك الصنم". وعاد نظير الساعدي ليستدرك بالقول: " أما ما تبع ذلك فلا يمكن الإشادة به، لأنه مجموعة إخفاقات كبيرة".
" ألم يمكن الاحتفاظ بجزء من الجيش العراقي، لكي لا يحدث فراغ وفوضى أمنية؟"
الصحفي المغربي طارق انكاي ، في نظرة من بعيد للمشهد ، اعتبر أن المشهد العراقي اليوم يكشف عن أخطاء كثيرة ارتكبت عند إسقاط النظام العراقي قبل 11 عاما. وتساءل أنكاي " ألم يدرك المجتمع الدولي آنذاك الوضع المعقد للتركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق؟ يتبادر إلى ذهني ( سؤال مفاده) الم يمكن الاحتفاظ بجزء من الجيش العراقي، لكي لا يحدث فراغ وفوضى أمنية؟ " .
واعترض الإعلامي قاسم المرشدي على هذا الطرح، كاشفا انه ليس من المغرمين بما يسمى بوحدة العراق لأنه يقدس الإنسان والدم العراقي وليس تراب الأرض، ومضى إلى القول " إن الجيش العراقي السابق كان يساهم بشكل كبير في سفك دماء العراقيين ، وكان أداة طيعة بيد صدام حسين"
الدكتور علي في اتصال من بغداد أبدى أسفه لتبدد الحلم مشيرا بالقول: " فرحنا بالتخلص من ديكتاتور ظالم، لكننا ابتلينا بمجموعة ديكتاتوريين مستبدين برأيهم".
اعتبر التدخل الامريكي لاسقاط صدام حسين مأخذا على العراقيين قبل ان يتغير الموقف بعد مناخ الربيع العربي .
المعارضة العراقية قدمت تسهيلات وتعاونت مع الأمريكان والبريطانيين لإسقاط ديكتاتورية صدام حسين ، كما أن القوات الأمريكية استخدمت أراضي شمال العراق لهذا الغرض. وقد أشار إلى هذه الحقائق د. إبراهيم محمد وهو إعلامي من سوريا مشيرا إلى أنّ العراق اليوم في طريقه للتخلص من نظام ديكتاتوري شمولي بالمقاييس التي كان عليها الحال أيام صدام حسين ، لكنه استدرك بالقول" من جهة أخرى، اعتقد أن العراق اليوم ما يزال أمامه تحديات كبيرة وهو يعاني من الإرهاب، ويواجه خطر التقسيم".
"التحدي القائم في العراق اليوم هو بعض إرث صدام حسين "
واعتبر د. إبراهيم، أن جزءا من التحدي القائم في العراق اليوم هو بعض إرث صدام حسين ، والجزء الآخر يتعلق بعدم وصول العراق إلى صيغة تعددية ترضي جميع الأطراف وتوزع الثروات بشكل عادل. لكن الكاتب قاسم المرشدي اعترض على هذا الرأي مشيرا الى وجود تقصير وفشل في أداء الحكومة، ومعتبرا أن تحميل صدام حسين ونظامه مسؤولية الأخطاء التي ترتكب بعد 11 عاما من التغيير هو أمر مجاف للواقع. وتساءل المرشدي" لماذا نجحت حكومة إقليم كردستان ولم تنجح حكومة المركز؟ إلا يوجد أزلام صدام في كردستان؟ " .
قتامة المشهد وانسداد آفاقه يتفق عليها عدد كبير من الناس ، وهو ما ذهب إليه الروائي حسين الموزاني المقيم في برلين، منبها إلى أنه شخصيا كان مع إسقاط صدام حسين عن طريق التدخل الدولي الخارجي لأن الوضع في ذلك العهد كان مأساويا وخطيرا جدا على العراق " وما نراه الآن هو ربما تداعيات تركها لنا النظام السابق".
ويرى اغلب مراقبي الشأن العراقي، أن اشتداد حدة الخطاب الطائفي في هذا البلد، وضعف أداء الحكومة ، وفهم النخب السياسية للديمقراطية القاصر، هي أهم ما يميز المشهد اليوم، والى ذلك أشار الموزاني كاشفا عن أمنيته في أن يجتمع العراقيون ليبنوا وطنا خاصة وأن العالم يتعاطى مع الساسة العراقيين إلى حد ما " لكنهم فوتوا الفرصة على أنفسهم وعلى العراقيين".
المستمع أبو احمد في اتصال من الموصل أشار إلى انه يرى فرقا كبيرا فيما صار عليه الوضع الآن، معتبرا أن الوضع في الموصل أيام صدام حسين كان أفضل بكثير مما هو عليه الآن .
أما الكاتبة سرفراز النقشبندي فذهبت إلى أنه حتى لو اتفقنا مع من يقول إن العراقيين لم يكن لهم دور كبير في إسقاط صدام حسين " فإن لمآسيهم دورا كبيرا في إسقاط ذلك النظام". وأكدت النقشبندي أن كل التغيير عاد بالنفع على كردستان التي تشهد اليوم نهضة شاملة وتطورا كبيرا في كافة المجالات ، مشيدة بالأمان والعمران ومعتبرة أن ما حدث في كردستان طفرة تاريخية غيّرت مستقبل المنطقة.
مقالات اخرى للكاتب