استغل ذئب مضياف ابتعاد حمل صغير عن القطيع واعتزاله عنه ليناديه بصوت منخفض: ألا تشرفني في منزلي لأحتفي بك وترى جود كرمي ؟
فأجابه الحمل بدبلوماسية لا تخلو من سخرية: كان يشرفني تلبية دعوتك, لولا إن منزلك في معدتك.
دعوة اربيل لرئيس حكومة بغداد للاجتماع فيها وفرض ملفاتها دون ملفات بغداد كانت أشبه بدعوة الذئب للحمل ومحاولة التغرير به, فقبل شهور عدة اقترح الأكراد عقد اجتماع لمجلس الوزراء في اربيل ليكون الاجتماع مناسبة لمناقشة الملفات العالقة, ولكن هذا المقترح قوبل برفض المالكي القاطع لاشتداد الأزمات بين اربيل وبغداد وارتفاع سقف المطالب الكردية وعدم قدرته على تلبيتها, وظلت هذه الأزمات تتفاعل على مسرح الأحداث السياسية لتتشعب وتصل حد المواجهة العسكرية في كثير من المواضع بين قوات "البيشمركة" والجيش العراقي معبرة عن حالة الاحتقان الخطيرة بين اربيل وبغداد, وكان لفتح المالكي لجبهات مواجهة عديدة في آن واحد مع الأكراد ومع القائمة العراقية وخلفها عشائر الغربية وحتى مع حلفاءه من مكونات التحالف الوطني وابتعاده كثيرا عن الأطر العامة لمسار العملية السياسية جعله لان يرضخ وربما التنازل بقبول زيارة اربيل لتأتي مكملة للقبل الرمزية التي تبادلها مع غريمه اللدود رئيس مجلس النواب "أسامة النجيفي" بلقاء رمزي.
وكما كان اللقاء الرمزي اسم على مسمى وجاء لإيصال رسالة اطمئنان (حسبما وصف الساسة اللقاء) للجماهير الغاضبة بعد سلسلة من العمليات الإرهابية الدامية وامتصاص النقمة الجماهيرية, فان اجتماع "أربيل" أيضا كان عرضا مسرحيا للإيحاء بإسدال الستار عن الأزمة بين بغداد واربيل, حيث لم يخرج الاجتماع بشئ ذا قيمة سوى الاتفاق على ما تم الاتفاق عليه سابقا أثناء زيارة البرزاني لبغداد والتأكيد على تفعيل دور اللجان المشتركة لحل المشاكل والقضايا العالقة بينهما, كالمناطق المتنازع عليها وقانون النفط والغاز وعقود الشركات النفطية واستحقاقات الشركات الأجنبية وتعويضات ضحايا حلبجة والأنفال وتطبيق "المادة 140" وموازنة قوات البيشمركة والمشاكل في الدستور وكالعادة تم الاتفاق على أن يكون الدستور هو الفيصل في حسم جميع المشاكل الحالية والمستقبلية مع إن هاذين الطرفين هما من أكثر الكتل السياسية انتهاكا للدستور.
في اجتماع اربيل فرضت ملفات وأغفلت ملفات خطيرة عديدة لم يتم التطرق إليها لا من بعيد ولا من قريب رغم إنها ملفات متشابكة لا يمكن الفصل بينها أو التعامل بانتقائية معها, منها تحالف اربيل المريب مع قوى إقليمية لا تخفي عدائها للعراق والاندماج معها في تحالف دولي بالضد من مصالح الدولة العراقية يمتد من تركيا إلى قطر ليشمل شخصيات مشبوهة من قوى الرابع عشر من آذار اللبنانية, واتفاق الإقليم مع تركيا باستضافة حزب العمال التركي المصنف دوليا كمنظمة إرهابية بالضد من إرادة حكومة بغداد, والتدخل السلبي في الأزمة السورية.
دبلوماسية الذئب والحمل ومعالجة ما تريده اربيل بمطالب دستورية أو غير دستورية وإغفال ما تريده بغداد يعني إبقاء الأزمات بينهما على حالها دون حل, وربما تكون بداية جديدة لإدارة الصراع بينهما, ويبدو إن إغفال تحالفات أربيل الخارجية مع القوى الإقليمية التي كانت سببا لاحتدام الأزمات وإسقاطها من المحادثات رغم مخاطرها, كونها تشكل امتدادا للتحالفات الإقليمية التي هندستها القوى الدولية الكبرى المؤثرة في المنطقة, وليس من صلاحيات المالكي أو البرزاني الخوض فيها, للإبقاء على هذه التحالفات ومنع اختلال موازين القوى بينها وبين إيران وسوريا وحزب الله اللبناني الذي وجد العراق مرغما على الانقسام حول نفسه ما بين هذا الطرف أو ذاك, وفي ظل حالة الانقسام هذه فمن المستحيل أن نرى إن هنالك حلولا حقيقية للازمات ما بين اربيل وبغداد للتأثيرات الخارجية في رسم وتحديد ملامح العلاقة بينهما, وصناعة المزيد من الأزمات لتكون بمثابة البوابة المشرعة لولوج القوى الإقليمية إلى العمق العراقي, فليس من المنطقي أن تبادر هذه القوى إلى غلق هذه البوابة, مثلما يكون من المحال تحقيق رغبات أربيل على حساب رغبات بغداد.
مقالات اخرى للكاتب