مقدمة الطبعة الأولى
لا أريد الآن التعريف بثورة الحسين عليه السلام و لا ينبغي لي ذلك بعد أن علم الخالق والمخلوقون بأنها غنية عن التعريف بحدودها وصمودها وأرتفاعها واتساعها. ويكفي أنها هي التي صنعت التاريخ ولم يصنعها التاريخ. وهي التي قدمتم الأمثولة الكبرى للتضحية في سبيل طاعة الله بكل ما يملك الفرد من نفس ونفيس. فالتعريف بها تعريف بالمعرف والمعرف لا يعرف. وأنما يهمني الآن التعريف بهذا الكتاب الذي بين يديك، وذلك أن القاريء انما يستطيع ان ينال منه الفائدة المطلوبة إذا أتصف بالصفات التي نشير إليها وإلا فسوف يكون الأعراض له أولى وأحجى.
أولا: أن يكون موضوعي التفكير. لم يختر سلفا إتجاهاً مغايراً، بل يحاول أن يحكم عقله الخالص في كل ما يسمع من الأمور مطبقاً ذلك على الكتاب الكريم والسنة الشريفة فإنما هي المحك الرئيسي للمسلمين في تشخيص الحق من الباطل.
ثانياً: أن يكون للفرد إطلاع كاف على تاريخ الحسين عليه السلام وأصحابه واهل بيته قبل وأثناء وبعد واقعة كربلاء. فإن سرد هذا التاريخ خارج عن اختصاص هذا الكتاب. ومن هنا تعمدت حذفه وتكلمت حوله معتمداً على الإطلاع العام في أذهان القراء عن ذلك. فإن لم يكن القاريء الكريم مطلعاً على هذا التاريخ فالأفضل له أن يراجع مصادره أولاً. ثم يراجع هذا الكتاب ثانياً.
ثالثاً : أن يكون للفرد اطلاع كاف عن أوضاع الخطباء المذكّرين بثورة الحسين عليه السلام أساليبهم وأقوالهم. فإني أخذت هذا الواقع المعاش ولو من بعض جوانبه وتكلمت حوله. فإن لم يكن القارئ قد أطلع على ذلك فليسال من يعرف من الأخرين.
رابعاً: أن يكون للفرد بعض التساؤلات عن حوادث الطف وتاريخ الحسين عليه السلام ولم يجد عنه جواباً قد دفنه في ذهنه ريثما يحيي من جديد. فإن كان من هذا القبيل فليقرأ كتابي هذا فإني كرسته لأجل هذا الغرض، وهوالجواب على أهم الأسئلة المثارة حول التاريخ الأسلامي الحسيني وأسبابه ونتائجه وتصرفات أصحابه، من حيث إمكان تصحيح ما صح عنهم وإبطال ما بطل. وينبغي الألمام سلفاً كما أشرنا في غضون الكتاب أيضاً، إلى العجز عن التعرف على الحكمة الحقيقية لتصرفاتهم (رضوان الله عليهم) كما أن المشار إليه في الكتاب هو مجموعة من الاسئلة المشهورة في الأذهان وليس جميع ما قد يخطر في الذهن نظرياً عنها. من حيث إن اثارتها أو الجواب عليها قد يثير حزازات أو مضاعفات نحن في غنى عنها في ظرف أحوج فيه إلى صقل الإيمان والدعوة إلى وحدة الكلمة بين المسلمين وزرع الألفة والحب بينهم.
وعسى لهذا الجهد المتواضع أن ينال رضا الله عزوجل أولاً وأخيراً.ورضا القارئء الكريم وأن يعفى عما فيه من قصور وتقصير.
و لا ينبغي وأنا في ختام المقدمة أن أهمل الاشارة إلى حاجة هذا الكتاب إلى المصادر فهو كما يراه القارئ خال منها، مع أنه أحوج الناس إليها. وما ذلك إلا لضيق تواجدها وضيق الوقت عن مراجعتها، ومن هنا أمكننا أن ندعو الله عزوجل أن يوفر الفرصة لطبعة أخرى من هذا الكتاب تكون هي الكفيلة بالمصادر جميعها إنه ولي كل توفيق
شهر صفر الخير عام 4141
محمد الصدر
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل حوالي سنوات سنحت الفرصة أن أتكلم خلال عدد من المحاضرات عن الحسين (ع) وادافع عن ثورته بما أوتيت من المحاضرات عن الحسين (ع) وأدافع عن ثورته بما أوتيت من عزم في إجابة بعض الأشكالات والشبهات التي قد تخطر في الذهن ضد ذلك. فكان هذا نحو من حسن التوفيق بفضل رب العالمين.
وكان من حسن التوفيق تارة آخرى أن سنحت الفرصة لتسجيل ذلك على الورق في زمن غير بعيد من إلقاء تلك المحاضرات، قد لا يعدو ان يكون شهراً واحداً. كما هو واضح من تاريخ تأليفه، فإني ألقيتها خلال شهر محرم الحرام وكتبتها في شهر صفر لنفس السنة. فكانت النتيجة هي هذا الكتاب بطبعته الأولى.
وكان من حسن التوفيق ثالثاً:انني بالرغم من أنني لم أستطع نشره بشكل رسمي – لو صح التعبير – فإنه واجه رغبة عارمة في المجتمع وفي قلوب المؤمنين فتعددت طبعاته واستنساخاته في داخل العراق وخارجه. وهذا من حسن الظن الذي ينعم به الله سبحانه على عبده ويجعله في نفوس إخوانه المؤمنين.
وعلى العادة، في أغلب ما أكتب، وأنا قليل الأمكانيات أجتماعياً واقتصادياً وعلمياً. أعني قلة الكتب والمصادر... فقد كتبت هذا الكتاب اعتماداً على حافظتي وذهني فقط. في حدود ما تصيّدت من نصوص ومفاهيم خلال مراجعاتي العامة خلال حياتي العلمية. ولم يكن من الممكن في العجالة إرجاع كل حديث إلى مصدره. ولئن كان عندي شيء قليل من الكتب، فإنها بلا شك لا تسمن و لاتغني من جوع في تخريج هذه المجموعة من النصوص. ولذا بادرت إلى إصداره بقوة قلب خالياً من المصادر واعتذرت عن ذلك في المقدمة وتم الأمر. و لا بأس بذلك فان الطريقة القديمة للتأليف كانت على ذلك وليس بدعاً غير مقبول من طرق التأليف. وإنما يستند في واقعة على الوثاقة الشخصية للمؤلف. كما كان السلف الصالح يستند إليها. فليكن هذا واحداً منها.
ثم إنني فجأة وعلى غير توقع استلمت نسخة مليئة بالهوامش والمصادر.قام بها أحد الفضلاء الساكنين في سورياً. كأنه أشفق على هذا الكتاب من هذا النقص فحاول تبني الموقف جزاه الله خيراً. وهو طبع بتوقيع رمزي له وللمطبعة على ما أعتقد. وأن كان بإخراج جيد وورق صقيل.
إلا أنه قد علق عليه بدون أن يفهم مقصودي. وأعطى لنفسه الحرية في التصرف أكثر من اللازم. ومن هنا أعتقد أنه بالرغم من جهده فإنه لم يكن موفقاً في عمله. غير أن نقطه القوة فيه هو أنه ألفتنا إلى بعض المصادر التي لم تكن تخطر على البال
وبقي هذا الكتاب متأرجحاً من حيث المصادر حتى تصدى له جناب الأخ المفضال الشيخ كاظم العبادي الناصري دام عزه لخوض غمار هذا البحر الواسع.وتعب عليه تعباً متكاملاً وكان يعرض ما يكتبه عليّ جزاه الله خيراً. وكان المجموع هو هذا الكتاب الذي بين يديك.
ولم يخل تعليقه من بعض النواحي من بيان بعض الأشكالات، ولو ضمناً، على المؤلف. وأنا عرفت ذلك ورضيت به، أخذاً بحرية التفكير المحفوظة لدينا في الحوزة العلمية الشريفة جيلاً بعد جيل.
وعلى أي حال ففد كانت نتيجة اعتمادي الكامل على حافظتي وذهني في تأليف الكتاب ملفتة للنظر في التحقيق الذي قام به : أذكر منها ما يلي:
أولاً : ان هذه المصادر التي ذكرها قد لا تكون هي نفس المصادر التي أخذت الأحاديث والنصوص منها خلال حياتي. بدليل أن بعض مصادر الهامش مما لم يصدف لي الأطلاع عليه. ولكن لا بأس. ما دام الكتاب المذكور مصدراً للنص، ولو في الجملة.
ثانياً: أن النقل يكون أحياناً بالمعنى أو بالمضمون لا باللفظ، لوضوح أن الذاكرة أقرب إلى المعنى منها إلى اللفظ. ولكن لا بأس. ما دام المعنى موجوداً. كما يوجد دليل في الشريعة على جواز النقل بالمعنى. وهذا على أي حال، ما يتضح للقاريء خلال استعراضه للكتاب.
ثالثاً : أنه قد يكون بعض النصوص لا توجد في المصادر إطلاقاً، وإنما وجد في الذهن إما بإعتبار الحدس واما باعتبار التصيد من عدد من النصوص أو من القواعد العامة. وأوضح أمثلة ذلك النص القائل : (دعوا الناس على غفلاتهم) فإنني بالوجدان لا أعلم أنني أخذته من كتاب أو من مصدر آخر.
رابعاً: أن الجهة النفسية قد تتدخل في النصوص المنقولة. ومن أوضح أمثلته ما ذكرته خلال الكتاب من أن الأمام الحسين (ع) كان يتمثل بأبيات رابعة العدوية. وقد كررته في الكتاب أكثر من مرة وهذا ما سمعته من قبل بعض الخطباء وارتكز في ذهني بصفته مناسباً لمقتضى الحال على أي حال.
وقد استشكلوا عليّ في ذلك بإعتبار أن رابعة هذه متأخرة عن ذلك العصر، كما هو المشهور من تاريخها، فأجبته اعتماداً على ذاكرتي أيضاً: كلا فإنها كانت في زمن النبي (ص) والصحابة. إلا أنها كانت منعزلة عنهم بصفتها امرأة متزهدة. وإلى الآن اتذكر أني وجدت ذلك في بعض المصادر إلا انني يتعذر عليّ تذكر عنوان ذلك الكتاب. فهذا مختصر من تاريخ تأليف هذا الكتاب من الناحية الأجتماعية والنفسية معاً.
بقي علي أن أشير إلى أن جناب الشيخ الذي حقق هذه الطبعة اعترض على بعض التخريجات للطبعة التي أشرنا إليها. وانه راجع تلك الكتب فعلاًولم يجد النص. كما أنه لم يجدها في مصادر أخرى. وتعليقي على ذلك: بإمكان أن تكون الطبعة مختلفة أو امكان الغفلة أوالخطأ المطبعي وغير ذلك.فالأرجح، كما فعلنا الآن هو ذكر المصدر المذكور في تلك الطبعة مع الإشارة إليها بحرف (ط) ليكون المصدر على عهدته ولئلا تبقى بعض النصوص بدون مصدر وتكون النتيجة في ذمة المفكرين الآخرين.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين
الثالث من شهر رمضان المبارك عام 1417 للهجرة.
محمد الصدر