شعب الشعارات و (الماكو) ينتفض على ال( الاكو والماكو)
يبدو ان العراق يمر الان بعملية استنساخ متاخرة لتجربة ثورات الربيع العربي , تتشارك معها في نتائجها الفوضوية لكنها تختلف عنها في الادوات والحيثيات , فصيف بغداد القائض زاد من سخونة الاحداث وحرارتها .
ان المظاهرات التي خرجت عفوية في بغداد وبعض المدن الاخرى في العراق بمباركة من المرجعية ما لبثت ان تحولت الى قميص عثمان تلقفتها بعض الجهات السياسية وحورتها لتصب في اجندات تخصها . فلاول مرة يحدث ان يكون مستوى استجابة الحكومة للمتظاهرين اعلى من سقف مطاليبهم , تجاوزت الامور الخدمية والاقتصادية التي طالبوا بها لتصل الى صميم العملية السياسية وترتيب الاوراق فيها . ولقد تمكن حيدر العبادي (رئيس الوزراء) من استغلال هذا الحراك الجماهيري وتاييد المرجعية له ليس لتقوية وضعه السياسي فحسب بل وتجاوز سلفه ( المالكي) بخطوات كثيرة كان قد فشل في تجاوزها سابقا , ولكن هل ستكون الامور بهذه السلاسة التي يتوقعها العبادي ؟
ان تحريك الشارع من قبل ساسة او رجال الدين تحوي الكثير من المخاطر وقد لا تكون نتائجه مضمونة بالضرورة , ووضع الدول العربية وما أل اليه مصيرها شاهد على خطورة هكذا مجازفات . ويمكننا تلخيص مخاطر ما يحدث الان في العراق بالنقاط التالية : -
1- (مفترضين حسن نية الحكومة في هذه النقطة) ..... فان استجابة العبادي العاجلة للمتظاهرين وبهذه الطريقة , قد تسفر عن رفع لسقف مطاليبهم , وهناك مؤشرات قوية توحي بذلك بهذا . فمطالبات تحسين الخدمات ومحاربة الفساد استجابت لها الحكومة بتقليص عدد نواب الرئيس ورئيس الوزراء وتقليص عدد حمايات المسئولين , مصحوبا بتخبط سياسي اظهر ضعف الحكومة واحزابها , هذا التخبط والعشوائية قد تشجع على طرح مطالب خطيرة تؤدي الى انهاء العملية السياسية برمتها وحل البرلمان .
2- ان ما يحدث الان في العراق يشبه الى حد كبير ما حدث سابقا في دول ثورات الربيع العربي , فخروج الشعوب العربية في مظاهرات دون وجود قيادات سياسية توجهها اسفر عن فوضى عارمة مازالت هذه الدول تعاني منها . والوضع في العراق لا يختلف عما حصل هناك . فرغم وجود احزاب سياسية كثيرة في العراق الا انها غير قادرة على تبني هذه التظاهرات لتوجيهها الوجهة الصحيحة لها , وذلك للاسباب التالية : -
* افتقار ساسة العراق للخبرة السياسية الكافية رغم سنواتهم الطويلة في العملية السياسية , لم يتعلموا منها الا نهب الاموال العامة واثارة الازمات , اما ايجاد حلول لها فهم ابعد ما يكونون عن ذلك .
* افتقارهم للجراءة الكافية في تحديد سلبيات ما يحصل الان , فأي انتقاد لهذه التظاهرات قد تفسر بانه اعتراض على توجهات الشعب في محاسبة الفاسدين وتواطيء معهم .
* المظاهرات الحالية مدعومة من قبل المرجعيات الدينية واي اعتراض عليها يعتبر اعتراض على توجهات المراجع وتمرد عليها .
3- ان تفاعل رئيس الوزراء حيدر العبادي مع هذه التظاهرات باصدار حزمة الاصلاحات التي اقرتها مجلس الوزراء تشكل بادرة للتحول الى نظام دكتاتوري يضع كل خيوط اللعبة في يد رئيس الوزراء , وتمكنه من التفرد بادارة المرافق الهامة في الدولة , مستغلا عدم قدرة الساسة في الاعتراض على هذه الخطوات للاسباب التي ذكرناها في النقطة السابقة .
4- ان الحديث عن نية المتظاهرين لرفع سقف مطاليبهم لتشمل تغير نظام الحكم والغاء الدستور يعتبر ايذانا بفوضى عارمة ستعم البلد , تستدعي الوقوف بوجهها ومنعها باي شكل وذلك للاسباب التالية : -
* لا يمكن انكار مشاركة وتاييد جميع المكونات العراقية للمظاهرات في بداية انطلاقها , فقد كانت تطالب بحلول لمشاكل خدمية وادارية يعاني منها كل العراق . الا ان هذا لا يعني تاييد جميع المكونات العراق لاعلاء سقف المطالب , خاصة اذا ما تناول شكل نظام الحكم والعملية السياسية التي لولا الفساد والمؤامرات الداخلية والخارجية كان من الممكن ان تكون بداية لديمقراطية حقيقية .
* ان تحويل نظام الحكم الى رئاسي يعني سيطرة مكون واحد على مجمل الحياة السياسية في العراق وهو ما لا يمكن قبوله من قبل بقية المكونات وستدخل البلد في متاهة حقيقية .
* الغاء الدستور واستبداله باخر سيدخل البلد في دوامة جديدة من الصراع السياسي , يتناول طبيعة علاقة المكونات الاخرى بالعاصمة , سواء الكورد منهم او السنة العرب , وبالتاكيد فان الحديث عن الكونفدرالية الكوردية والفدرالية السنية ستكون من القضايا المطروحة وبقوة في تلك النقاشات .
* لا يمكن الحديث عن اي تغير في نظام الحكم في غياب مكون رئيسي من المكونات العراقية , فاحتلال داعش لمعظم المناطق السنية تحيد هذا المكون من ان يكون له دور في اتخاذ هكذا قرار مصيري مما يجعل البت فيه في هذا الوقت امرا منافيا للتشريعات والقوانين .
5- عدم وجود تاثير ايراني على هذه المظاهرات لا يعني ان الذئب ليس على الابواب ... فهي وان لم تتدخل , فانها تراقب الوضع عن كثب , وعلى اتم الاستعداد لاستغلال أي هفوة قد يقع فيها العبادي او المراجع الدينية في العراق ويخرج الوضع من تحت السيطرة .. لتضع هي ( ايران) يدها على هذه الحراك السياسي , لا سيما وانها تمتلك ادوات تستطيع تحريكها في العراق وبفاعلية . فالمليشيات الشيعية المنضوية تحت مسمى الحشد الشعبي هي اطراف طامحة للسلطة وبدعم ايراني واضح , مما يجعل تدخلها للسيطرة على الوضع امرا محتملا لا سيما وانها تحوز على تاييد الكثيرين في الشارع الشيعي بعد قتالها مع داعش .
6- الغريب في الامر ان المظاهرات في مناطق الجنوب ركزت ومنذ البداية على محاسبة الفاسدين في الحكومات المحلية للمحافظات الجنوبية , وكان يفترض على العبادي (ان كان جادا في مساعيه) ان يبدأ من الحكومات المحلية ويحاسب الفاسدين فيها , ثم ينتقل لمحاسبة الفاسدين في الحكومة الاتحادية التي تشمل جميع المكونات , الا ان ما حصل هو انه لم يتم محاسبة الحكومات المحلية لمدن الجنوب بينما انهمك العبادي في محاربة العملية السياسية وتهديمها في الحكومة الاتحادية , مما يستدعي التوقف مليا لفهم هذا المسلك الغير مبرر .
مقالات اخرى للكاتب