مازلتُ أتذكر الفنان يوسف العاني في إحدى مسرحياته.. في بغداد، وهو يؤدي مشهداً على المسرح حينها وقف أمام “السمّاك” وسحب سمكة يشمُ ذيلها! فتبسم له البائع وقال له:”حجي السمجة تنشم من الرأس.. إذا جايفة مو من الذيل “،
فأجابهُ العاني مبتسماً:” ادري يا عمي الراس خايس بس أريد أشوفه وصل للذيل؟!” وعلى ذكر “الجيفة” التي فاحت بين السطور،أسأل : هل الذيل ما زال بخير؟ للأسبوع الخامس نجهد أنفسنا في التظاهرات التي عجّت في عموم البلاد، لمطاردة رؤوس الفساد وإصلاح النظام، وإلقاء اللوم على السياسيين، وأصحاب المناصب والنفوذ، ونحن بيننا مئات المفسدين يحومون حولنا، ويعيشون بجانبنا.
رغم كل ما قيل تمجيداً في السابق، لأصحاب المولدات، وفضلهم في تهوين محنة الكهرباء، وكل أبيات الشعر المدّاحة، فهم ليس إلا “مافيا” تعيش على الأزمة وتختلقها، وأي أزمة؟ هي راحة الفرد بحياته!
النجف، كان لها النصيب الأكبر في الضرر، بتكوين عصابات الطاقة كما أسميناها “شعبياً” المكونة من بيع الكهرباء والغاز والنفط والبنزين، وإن كانت السوق السوداء، عملاً غير مشروع، فبوجود أعضاء مجلس مستفيدين، ومشاركين في الأموال التي تُسيّر عمل المولدات،أصبح العمل مشروعاً ومسنوداً، حتى تعاظم شأن أصحاب المولدات، وصولاً إلى ضرب قرارات مجلس المحافظة، والعمل على قوانينهم الخاصة.. قانون “ سكسونيا” على رأي الكاتب المصري وحيد حامد.. وجعلوا التسعيرة تخرج من درك مكاتبهم، كما يشاؤون.
كنتُ أتصور في مخيلتي البسيطة، إنّ الفساد يرتدي رباطاً وبدلة، ويستقل أفخم السيارات، واتضح فيما بعد، إن فقدان الإنسانية، وتحول الإنسان إلى آلة لجني الأموال على حساب الفقراء هو الفساد بعينه والانحطاط،
بالرغم من ذلك، ونحن نلتقي بهذه الأسطر، اجتمع مجلس المحافظة بجلسة” طارئة واستثنائية” ،لإعادة النظر بقرار التسعيرة، إرضاءاً لرابطة “أصحاب المولدات” ..تلك المنظمة المدنية التي تأسست بدعم أشخاص متنفذين لا داعي لذكرهم تجنباً “للغِيبة”، وأصبحوا يتحكمون بحوالي 2 مليون إنسان يعيش في المحافظة، بمجرد رسالة على “الوات ساب”
.ختام القول يا إخوتي.. المولدات مشاريع استثمارية، لا ترتبط بأي جهة! مما جعلها تتحكم في نفسها، تبعاً للمصلحة الشخصية، أمّا المواطن، فهو مشروع استهلاكي، تضمنُ له الرأسمالية العمل لديها ثمّ الدفع لها، وأنت تغادر، لا تنسى إلقاء التحية : “ دولة أبو المولدة تودعكم”.
مقالات اخرى للكاتب