لم يتسنَ لي أول من أمس أن أقرأ الزميلة "الصباح" في وقت مبكر.. وفي المساء عندما عدتُ الى البيت مع نصف دزينة من الصحف، أحملها معي في العادة، وجدت ان "الصباح" مَنشتت (من مانشيت) صفحتها الأولى بالعنوان الآتي: ترشيح البصرة عاصمةً للثقافة العربية 2015! (علامة التعجب هذه مني).
لم أضحك مع ان الأمر بدا لي أشبه بنكتة. أقول لكم كيف ولماذا.. الخبر يقول ان مجلس الوزراء وافق على ما عرضته وزارة الثقافة بخصوص ترشيح محافظة البصرة عاصمة للثقافة العربية في المرحلة المقبلة، من العام 2015 وما بعده.
بعد الفراغ من قراءة الخبر حاولت أن أكلّم الزميل الاستاذ طالب عبد العزيز (لم يردّ، عسى المانع خيراً).. كنت أريد أن أقترح عليه أن ينشط وزملاؤه من مثقفي البصرة لإقناع مسؤولي المحافظة بالوقوف ضد مشروع مجلس الوزراء النكتة هذا.. لماذا؟... لديّ سبب أظنه قوياً، هو ألاّ تُهان مدينة البصرة ومحافظتها كما أهينت بغداد من قبل بجعلها عاصمة للثقافة العربية في الوقت غير المناسب.
بغداد رُسّمت عاصمة للثقافة العربية هذا العام، ولم يحصل أي شيء لها من هذا القبيل، والعام على مشارف نهايته، فلم تكن هناك غير حفلات الأكل والشرب.. لم نشهد افتتاح أية فعالية ذات قيمة كترميم مسرح مهمل أو دار سينما مغلقة أو صالة عرض فني متهالكة أو مكتبة عامة مهجورة.
لقد أهينت بغداد والثقافة العراقية مرتين، مرة بترجمة الثقافة إلى حفلات أكل وشرب، ومرة بترك بغداد على حالها من سوء التنظيم والترتيب وتقديمها الى ضيوفها بوصفها أكثر عواصم العالم تخلفاً وتردياً في خدماتها العامة.. فلا أمانة بغداد ولا محافظة بغداد كلّفتا نفسيهما بعمل هو من أسهل وأقل ما يمكن عمله، وهو تنظيف الشوارع والساحات والجدران.
منذ شهرين زرتُ مدينة النفط والشط والبحر والميناء والنخل (أي كل ما يمكن له أن يتوّج البصرة مدينة المدن في العراق والخليج قاطبة)، فوجدتها في حال تُشبه حال بغداد، وربما أسوأ.
أي بصرة سنقدمها للضيوف من مثقفي العرب والعالم إذا ما اختيرت عاصمة للثقافة العربية للعام 2015 أو بعده؟ في أي فنادق "عليها العين" سينامون؟ أين القاعات التي سيُلقون قصائدهم وقصصهم وأبحاثهم فيها ويتجاذبون الأحاديث الجادة والخفيفة؟ وفي أي شارع نظيف سيتمشون؟ وأي كورنيش مُرتب سيطلون منه على شط العرب؟
أخي طالب عبد العزيز.. أردت أن أقول لك: قل لزملائك أن يفعلوا شيئاً مع مسؤولي المحافظة لكي يطلبوا من مجلس الوزراء في بغداد سحب قراره النكتة.. قولوا لهم: خلّوها مستورة .. لا تفضحونا.. الله لا يفضحكم أكثر من فضائحكم الحالية المدوية!
مقالات اخرى للكاتب