في أواخر تسعينات القرن الماضي قرر بعض الأصدقاء زيارة نزيل يقبع في سجن إصلاح الكبار المتربع على الشارع العام ويتصدر حي المهندسين ، وبما ان للفضول من تأثير داخلي حفزنا على الذهاب معهم وخصوصا إن (ثلتنا ) كانت لا يتخلف منها احد في جميع السفرات والنزهات .دخولنا إلى هذا العالم الغريب كان سهلا ولم تصادفنا عراقيل مجرد تفتيش ما نحمله مع الزائرين وبما ان الثلة لم تحمل معها سوى علب (الجكاير) نوع (كريفن أبو البزون) اجمعنا تقديمه للنزيل وكان يعتبر في وقتها (صوغة) كبيرة .توجهنا إلى النزيل مباشرة وكان يفترش (زولية) جميلة وكأنه وجيها في قومه الدهشة أخذت منا مأخذها وتحديدا المستجدين على هذه الزيارات وبعد الجلوس معه وتعالت (الله بالخير) طلب من احد الأشخاص تقديم الشاي إكراما لنا ، وبدا صاحبنا بتقديم علبة واحدة من (أبو البزون) وغمز لنا بطرف حاجبه الأيسر إن نقدم نحن أيضا علبة واحدة وكانت حسب التوصيات المبرمة سلفا .
طلب دليلنا الإذن من النزيل لعمل جولة ونحن ينطبق علينا المثل الشعبي (مثل الأطرش بالزفة) نسير بين الزوار والنزلاء والتقينا ببعض المعارف وكل ما نلتقي بأحد نقدم له باكيت جكاير أبو البزون إلا إن نفذت جميع العلب ولم تنته زيارتنا وعند كل واحد نستمع إلى قصص غريبة عن سبب دخوله السجن ومدة محكوميته ، وشاهدنا البعض يسكن في غرف مبنية على طراز عالي ومجهزة بجميع الأجهزة المسخرة للترفيه عنه لان وضعه المادي (توب التوب) .بعض القصص أو معظمها (طارت) من ذاكرتي ولم يتبق منها سوى واحدة اعتقد إن ريش أجنحتها لم تكتمل بعد وحسب المصطلحات العامية مازال (ريش اللحيمي ) يكسوها ، حيث سمعنا إلى نزيل محكوم عليه (خمس طعش ) 15 سنة لأنه سرق (منظم غاز) واتحدت كلماتنا عفوية عند سماعنا قصته (كبر طمه) لم يستغرب القاص من كلماتنا لان والدته ذكرت هذا المصطلح في إحدى الزيارات .إنا ضعيف في بعض المصطلحات العامية والفصحى ولم أجد مصطلحا استطيع إن أطلقه على من سرق مقدرات دولة غنية ، وسرق أحلام شريحة واسعة واصل بناء المجتمعات وهي طبقة الشباب ، وسرق ماضــــي يمتد لآلاف الســـنين وحاضر اسود ومستقبل مجهول .
مقالات اخرى للكاتب