لــُعبة الأمم التي يجري تنفيذ صفحاتها في منطقتنا تتطلـّب مشروع خبيث ، تخطيط جهنمـي ، تـنفيذ ، ادوات أقليمية ، ادوات محليـّة ، وجماهـير ساذجـة ..!
المشروع وضعه الصهيوني / الأمريكي برنارد لويس جوهره تفتيت دول المنطقة العربية والأسلامــية .. وبالخصوص العربية .. كل على حدة وفقاً لطبيعة ونوعية مكوناتها الطائفية والدينية والأثنية والقبائلية .. مع زرع عبوات ناسفة جاهزة للتفجير عن بـُعد عند الحاجـة بين دول المنطقة نفسها.
والتخطيط تكفـّل به صهاينة تل أبيب وواشنطن .. التنفيذ بدأته واشنطن في العراق وأفغانستان .. ثم أوكلت الباقي الى الأدوات الأقليمية وهي نوعــين : نوع يعرف أنه أداة ونوع لا يعرف أنه أداة .. يتصدّر النوع الذي يعرف أنه أداة الحـَـمـَـدان بن خليفـة وبن جاسم في قطـر .. يليهما أردوغان تركيا ونجاد أيـران .. كل أسلحة قطر هي العمالة والمال والخلفية الأخوانـية .. واسلحـة أردوغان الجغرافيا والماء والطموح العثماني والخلفية الأخـوانية .. وأسلحـة نجاد الجغرافيا والقوة العسكرية والطموح الفارسي والخلفية الشيعية ، بعد أن دفعته واشنطن للهـرولة باتجاه سباق تسلـّح على خلفية التهديدات بضرب أيران ...! ( شرحنا كل ذلك بمقال سابق ).
نجـحَ المـُشرِّع والمـُخطـِط بشيطانية كبيرة في المزج بين أهدافــه وأسلحة ونزعات الأدوات .. حرّك الطموحات المريضة لدى قطر بأن يكون لها دور أكبر من حجمها لكي تشعر بأهميتها وسط الحيتان .. وحـرّك لدى أردوغان وهو في ســُكرة نجاحـه الأقتصادي طموحات اللاعب الرئيسي في المنطقة فطوّرها أردوغان الى طموحات عثمانية .. وحـرّك لدى نجاد وهو في ســُكرة أنجازاته النووية والعسكرية طموحات المجد الفارسي مـُغـلـّفة بنشر التشـيّع جغرافياً ..!
فكان تـصدّر حركة الأخوان المسلمين والأحزاب الســُنية الأخـرى المسؤولية في دول خــُـدعـة الربيع العربي .. لتشكيل ( طوق ســـُني ) في مواجــهة ( الهلال الشيعي ) .. وكان أيضاً غض النظـر عن تحـرّك شيعة البحرين أثناء تظاهراتهم ضد نظام حـمد بن عيسى وغض النظر عن تحرّك شيعة القطيف والأحساء في السعودية جزء من لعبـة التوازن المرسومة .
النوع الذي لا يعرف أنه اداة هم كل ساســة المنطقة السائرين على هـدي المشروع نفسه دون أن يتوقفوا لحظة للتفكير الى أين هم سائرون تدفع خطواتهم اما أطماع سلطوية وأما أطماع مادية واما أطماع طائفية – أثــنيـّة ..!
هناك سؤال كبير طـَرَح نفسه بقوة خلال ألأحداث الماضية : جميع الأنظمة القمعية والدكتاتورية التي سقطت مـُتهمة بالعمالة لأمريكا والغرب أو على الأقل موالاتهما .. زين العابدين بن علي صناعة فرنسية في دهاليز مخابراتها ، معمر القذافي هو أعترف بأننا جميعا عملاء لأمريكا ، حسني مبارك جلس في حضن أمريكا منذ قصة نجاته الغريبة من حادثة المنصة الى دوره في ضرب العراق بعد أحتلال الكويت الى علاقاته الحميمة مع أسرائيل الى موقفه التخريبي في حل الخلافات الفلسطينية ، علي عبد الله صالح أضـطـّر للموالاة بسبب عجزه الأقتصادي وعجزه عن مواجهة تنظيم القاعدة في اليمن ، صدام حسين بحماقته ورعونته كان يسير في الركاب الأمريكي من حيث يدري او لا يدري ..! عملت أمريكا والعقول الصهيونية الخبيثة وبتخطيط محكم على الدفع بهذه الأنظمة لمزيد من القمع والأضطهاد والتجويع لشعوبها أما عن طريق التجويع المـُبرمج بوسائل مخـتلفة أبرزها صندوق النقد الدولي والقروض والهبات أو الحصار الأقتصادي أو الأيحاء لها بأن بقائها في السلطة مــُهدد من الجماعات الفلانية أو التيار الفلانــي ... كل ذلك لكي تكون المبررات والعوامل المؤدية لسقوطها حاضرة عند التنفيذ ... السؤال لماذا تــُفرّط أمريكا والغرب بأنظمة موالية ومنسجمة مع سياساتهما ..؟ الجواب لأن المشروع المرسوم يتطلـّب تفجير الصراعات الداخلية بين مكونات كل دولة وصولاً الى فوضى خلاّقــة تؤدي الى سايكس بيكو جديد .. وجود أنظمــة قمعية يمنع تفـجـّر هذه الصراعات .. لم نشهد في ظل وجود هذه الأنظمة على صراعات طائفية أو دينية أو عــرقية أو عشائرية .. باستثناء أحداث ما بعد حرب الكويت في العراق والتي قــُمعت بالمدافع والطائرات ، وبعض المواجهات المحدودة بين أقباط مصر ومُسلميها وتم أحتوائها بسرعة ... أذن لكي ينطلق المارد الطائفي – الديني – العرقي – العشائري من قــُمقمــه ويأخذ مداه الكامل في ظل حريات مــُنفلتـة سيفرضها الوضع الجديد .. كان لا بد من أسقاط هذه الأنظمة لكي تسود الفوضــى الخلاقــة وبالتالي ايصال الشعوب الى اللحظة التي تتمنـّى فيها الذهاب الى التقسيم .. أو يكون البديل الوحيد المـُتاح .. لنشهد بعد ذلك الشرق الأوسط الجديد ...!
الأدوات المحلية والحديث هنا عن العراق .. هي أدوات تشكـّـل مـُعظمها أثناء تشكيل فيالق الأحتلال الأمريكي .. كل رصيدها أنها كانت معارضة لنظام صدام .. كانت أجندة المعارضة المـُعلنة بكل ألوانها وأطيافها وتشكيلانها هي أسقاط النظام .. أما اجنداتها الغير المـُعلنة ما بعد اسقاط النظام فكانت في الغرف المـُغلقــة والأوراق السرية ...! الأكـراد بعد أن ذاقوا حلاوة الهدوء والأمان في الفترة التي أعقبت حرب الكويت بعد توفير الحماية ( الدولية ) لهم عبر منطقة حظر الطيران الشمالية أعتبروا ذلك بمثابة الفرصــة المناسبة لتجريب فكرة الأستقلال ولو مؤقتاً .. وبعد أن تحقق سقوط النظام كان على الساسـة الأكراد وضع الأسس المتينــة للبدء بالمرحلــة الجديـّة لتحقيق الـحـُلم الكردي بالدولة المستقلــّة .. فكان دستور 2006 المـُصمم بهذا الأتجاه وبمباركة أمريكية بالطبع ..!
الخطأ القاتل الذي وقع فيه ساسة الشــيعة هو أنهم أجترّوا مفهوم مظلومية الشيعة ومفهوم الأغلبية بطريقة أوحت للطرف الآخــر بأن لا مكان لكم بعد الآن في السلطة والثروة .. ويكفيكم ثمانين عاماً من الحــُكم ..! وجـرى تجيير اضطهاد صدام للأحزاب الشيعية الى أضطهاد الســُـنـة للشيعـة وتم تثقيف جماهير الشيعة على هذه الفكرة .. وهذا ولــّد لدى الطرف الســُـني حالة من الفزع والسلبية تجاه المشاركة الفاعلة في بناء الوضع الجديد وهم اصحاب الباع الطويل في أدارة الدولة فكان رد الفعل مـُتمثــّل برفض الدخول في اللعبة السياسية بادئ الأمر وأيضاً في رفض الأنتساب للأجهزة الأمنية .. ثم تطـوّر الأمــر الى تشكيلات مسلحـة بدأت بمواجهة المـُحتل الأمريكي لتتحوّل البوصلـة الى مواجهة الأستحواذ الشيعي على مفاصل الدولة .. ولا يشفع هنا وجود الحزب الأســلامي السـُني في تشكيلة السلطة كونه محدود القاعدة الجماهيرية السنية ... ومن نافلة القول هنا أن الجماهير الســُنية قد تثـقـّفت وفق مفهوم أستعادة المــُلك الضائع ..! وعندها غــُرس الشرخ الأجتماعي الأخطــر بين المكوّنين الأسلاميين في العراق على الأقل على المستوى النفسي ..والذي كان ( ثـمـرَتـه ) الأقتتال الطائفي أعوام 2006 , 2007, 2008 ليؤسس لمبدأ التقسيم والمرسوم سلفاً كما أسلفنا .. ونتذكـّر في هذا السياق وفي هذا الظرف بالذات طـُرح مشروع بايدن لتقسيم العراق وهو التسمية المـُلطـّفة لمشروع برنارد لويس ...!!
الخطأ الكبير الآخــر الذي وقع فيه الساســة الشيعة الذين مثــّلوا المكون الشيعي في السلطة هو فشلهم الذريع في أثبات أنهم رجال دولـة لديهم المقدرة والكفاءة على بناء دولة مدنية حديثة تضم الجميع تحت خيمتها .. وبذلك أضاعوا فرصة تاريخية على شيعة العراق ليقدّمـوا نموذج زاهــي ومـُشع يقولون فيه أن الشيعة أيضاً بـُناة دولـة .. وليسوا فقط لطـّامين على الظـُلم التاريخي الذي حاق بهم ... وتصحيح هذا الخلل يتوقف على جماهير الشيعة ونــُخبها الواعية والمـُـثقفة بأعادة النظر في أختيار من يــُمثـّل بـِـشرف وأمانـة وكفاءة قدرات الشيعة الزاخــرة بالكفاءات والمـُبدعين والمخلصين .. على الأقل في المرحلة القادمــة لحين بناء دولة المواطنة الحقيقية ..!
نستشف من كل ذلك أن الأدوات المحلية ليست في وارد بناء دولة مدنية حديثة وفق مواصفات العصر من ديمقراطية وحقوق أنسان وحريات مدنية وتنمية وأزدهار .. وهي المواصفات التي حملتها الدبابات الأمريكية وقاذفات الــ ب2 وصواريخ كروز على ظـهورها ..! والمــُخططين للمشروع الأصلـي يعرفون ذلك ...! بدليل أن الجميع تماهــى مع الـبذور المسمومـة التي زرعها بريمر في أرض العراق عندما وضع الحجر الأساس للوضع الراهن عن طريق مجلس الحكم المُحاصـصــي رافقها فتح الأبواب أمام النهب المــُريح والمـُريع لثروة البلد ... فـفـُتحت شهية النهب والسرقة على مصراعيها .. ولم نشهد في حينها أي صوت أرتفع بالرفض لهذا الزرع الخبيث ..! بل كان الجميع مُستمتعاً به وكلّ حسب أجندته وخلفيته وطموحاته ... وبذلك تجـَـسـّد اول قـِطاف ( الربيع ) العربـي على أرض العراق .. !!
الخطأ الكبير الذي وقع فيه مـُتظاهري الأنبار ومن ثم الموصل وتكريت وسامراء أنهم سمحوا في بـدايـة الأمـر لأفواه عـفنـة وصور مشبوهة المصدر ولافتات غــبـيـة ، أن تتصدر مشهدهم الأحتجاجــي المشروع .. زاد الطين بلـّة خطاب عزت الدوري الذي أوحــى بأن حزب البعث هو ( المـُلهم ) للتظاهرات .. في خطاب أجوف وحتى مشبوه في توقيته ..! أضافـة الى نمط المطالب التي رفعها المتظاهرين والتي خرج بعضها عن نطاق الممكن وسط هذا الجو المـُلبـّد .. فمثلاً ألغاء المادة 4 أرهاب غير منطـقي .. أذ أن المجرم الذي يقتل الناس عشوائياً أو الذي يكتم أنفاـَسهُم بكاتمه يجب أن ينال عقابه الصارم .. ولكن مع تطبيق المادة بعدالة ووفق القضاء والقانون ...!
هذه البلبلـة في صورة التظاهرات أعطت حـجـة ذهبية لرئيس الوزراء للطعن فيها .. وأعطت جــوقـة المـُسبـّحين بحمده من السياسيين والبرلمانيين والمـُنتفعين من الذين يستمدّون بقائهم ومشروعيتهم من التحشيد الطائفي .. أعطتهم الأداة التي يتكأون عليها لاستثمار الفرصـة لتبييض وجوههم الكالحـة والمـُلطـّخـة بالفساد والفشل .. فبدأوا العزف على ألحان طائفية مــُستهلكـة خبـِرها أبناء الشيعة ... فجاءت الدعوات الأصيلة والوطنية من بعض رموز الشيعة للتهدـئة ونبذ الطائفية والأستماع الى مطالب المتظاهرين المشروعــة ... وبهذا الوعي والموقف السليم أمكن تأجيل الحريق على أمل أطفاء عناصره الأولية .. ولكون غالبية جماهير الشيعة أدركت بعد هذه السنين العجاف حجم الخطأ الذي أرتكبته عندما أختارت نـُخبها الحالية بدون التدقيق في خلفياتهم وكفاءتهم وأخلاصهم ونواياهم .. ولم يعــُد التحشيد الطائفي يستغفلـُهم .. لم نشهد أستجابة واضحــة وواسعة لدعوات التظاهر ( المـُضاد ) والتي دُفع اليها الكثيرون كــُرهاً ..! لأن الناس أدركت أن التمترس الطائفي سيؤدي حتماً الى تداعيات و صــِدام لن يدفع ثمنه سوى الأبرياء .. أذ قـد تـكفي جــُملة طائفية مـُحتقـنة واحدة الى أزهاق أرواح مــئة عـراقي برئ عاري الصدر ومكشوف الظهر ( لا سامح الله ) .. في الوقت الذي سياسييه مـُدجــّجين بالحمايات والسيارات المـُدرعـة والمناطق المـُحصـّنة ...!!
ومثلما مطلوب من الجماهير الشيعية هذا الوعــي والأدراك ... فهو مطلوب أيضاً من الجماهير الســـُنيـّة سواءاً من المتظاهرين أوغيرهم .. فمطالب الطرفين واحدة .. لا بل مأساة الطرفين واحدة ..! ومصلحة الطرفين واحــدة ... وعلى جماهير الـســُنة أن لا يــُعطوا الفرصــة لسياسييهم ومـُتعصـّبيهم للنفخ في البوق الطائفي أو ترويج بعض الدعوات المشبوهة من ان النسخة السورية ممكن أن تــُطبع في العراق ..! كما أن على العقلاء ووجوه القوم فيهم عدم السماح لأحد بركوب الموجــة وتجيير المطالبات لصالح الفاشلين واللصوص والمشبوهين ... ولا تــغرّنكم دعوات أردوغان أو أموال حمد فهؤلاء كما هم ساسـة أيران لن يرفّ لهم جفن لو ذُبح نصف الشعب العراقي ..!
وكما يقول الشاعر : أذا رأيت نيوب الليث بارزة ... فلا تظـُـنـّن أن الليث مــُبتـَسمُ.
ليعلم الجميع أن المـُخـَطط أجرامي وجهنمــي سيكون وقوده والخاسر الأكبر فيه هم أنتم ( ولد الخايـبـة ) وأبنائكم وعوائلكم وثرواتكم ومستقبلكم .. وبالتالي وطنكم ...!
* مستشار ثقافي في منظـمة دار السلام لحــقوق الأنسان
مقالات اخرى للكاتب