من بين الغرائب والعجائب في هذا البلد هو هذه الازدواجية الطاغية في تفسير الحقوق والواجبات والاولويات في تحديد المستحقين او بتعبير ادق هي ظاهرة انقلاب الموازين او هو المنطق الاعور والذي بات من يسير البلاد ويتحكم في مصير ابناءه .ففي بلادي الضحية هي الجلاد وهو الذي يجب ان يتحمل كل التبعات القانونية والاخلاقية لانصاف المجرمين لابل على الضحية ان لايتكلم لايصرخ ناهيك عن المطالبة بالحقوق او التعويض او رد الاعتبار او الانصاف لانها معدومة ومحرمة عليه والحجة انك ستكون طائفي وصفوي وعميل وغير وطني وكأن الوطنية تعني ان تبقى مجرد ذكرى او موضوع انشاء للطلبة في الامتحانات وعناوين لخطابات السياسيين او انه مادة انتخابية في فترة الانتخابات اما غير ذلك فلا يجوز ولا يذكر اصلا ...هذا هو حال ضحايا المقابر الجماعية وضحايا نظام البعث وحماقاته ونزواته فماذا تحقق لهؤلاء وماذا جنى ابناءهم ماذا تبقى لهم في هذا البلد لم يبق لهم الا الذكرى وتلك الذكرى مدفونة مخبأة تحت اديم ارض الرافدين اما اليوم فالمصيبة باتت اكبر واعظم وتحولت القضية الى اتجاه اخر فرفع شعارات انصاف البعثيين والغاء اجتثاث البعث (المساءلة والعدالة ) لا بل الانكى والاقسى هو المطالبة بتعويض ( فدائيي صدام) وشمولهم برواتب تقاعدية ولا احد يتحدث عن طائفية او عمالة او خيانة لدماء الشهداء والضحايا ولا خرق لقانون ولا تجاوز للدستور ولا...ولا..... هنا يمكن ان اتحدث عن ألاف القصص والحكايات والتي بقت في مخيلة وذاكرة الوطن وبقت جرح ينزف في ضمير الانسانية احدى القصص من احدى المدن الجنوبية ...يقول صاحب الرواية بعد انتهى الجيش من حملة القضاء على ثوار الانتفاضة في المدينة جلبوا الجميع نساء ورجال واطفال في احدى البساتين خارج المدينة قسمو او فصلوا الجميع وتوزعنا على اصناف مجرمين وغير مجرمين متعونين لا شيء ..كنت انا في صنف المجرمين أي من سيعد صباحا (هكذا اخبرنا في المساء ) لاتفصل بيننا الا نخيلات نرى ونسمع الاخرين وهم كذلك ونرى غير المجرمين (من لايعد م) طلبنا منهم اخبار اهلينا وتوادعنا وهم كذلك لانعلم ماذا سيجري غدا لكننا ايقنا بالنهاية ..رأينا القتلة كيف يتخطفون ويركلون هذا ويشتمون هذا ويسبون كل شيء من الله (جل وعلا ) الى الائمة (عليهم السلام ) ثم (الاعراض والمقدسات والمحرمات ) ما شدنا وابكانا وكسر ظهورنا علوية ...... مرأة كانت في ريعان الشباب أمراة جنوبية حرة مخلصة صابرة تحملت ما لم يتحمله احد اخذت بجريرة زوجها الذي لم نسمع له خبر ولم نعرف اين حل اما المحقق او الضابط او المجرم كان مصرا على انها تعرف ويجب ان تعترف يجب ان تعرفي وكل كلمة (غلطة وكفرة ) تهتز لها السماوات لكنها لم تتكلم الا بما اعرف ما ادري الله والله ما داري والحسين والعباس ....لم يعجبه الرد ولم يقتنع ولانه امتهن الاجرام ولانه تمرس واستسهل انتزاع الاعترافات صفعها بكفه وامر الجلاوزة بخطف الطفل من بين ذراعيها وجاء بكيس فيه قطة (بزون عرفنا ذلك من الاصوات ) وصرخت قبل ان يصرخ الطفل بكت قبل ان يبكي ..لم يكتفي بذلك بل جاء بزجاج مكسر ونشره على الارض ورمى الطفل الرضيع عليه جرح ونزف تحت انظار الام حتى فارق الحياة .. فك وثاق الام احتضنته و لم تبالي بالزجاج بجراحها بقى الطفل والام بلا أي رعاية صرخت لطمت بكت توجهت الى السماء قل انينها خفت صوتها ..لم نسمع صوتها ..لم نسمع صوتها ... لحقت بولدها ..بكينا لاننا لانملك غير ذلك مكتفين الى جذوع النخل ننتظر رصاصات الخلاص ..عند الفجر جاء الشفل حفر حفرة وسحبت الام بهذه الوضعية هي وطفلها رموها في تلك الحفرة مع بقيت المعدومين والذين اعدموا على طرف الحفرة وتساقطوا واحدا بعد الاخر ثم اهال الشفل التراب وساوى الحفرة ...عند الصباح علمنا باننا من غير المجرمين او باننا لن نعدم لم تثبت علينا الادلة او ربما بقينا للشهادة او لرواية هذه القصة ...كانت هذه احدى المقابر الجماعية في مدينة السماوة ..يقول الراوي بعد زوال الصنم ابلغنا السلطات المحلية وحفرنا في نفس المكان ..ووجدت الام وهي تحتضن طفلها ووجد الرجال المعدومين ... وسجلت في عداد الاف المقابر ..قرروا انتم ماذا يستحق هؤلاء قرروا انتم بماذا يجازى هؤلاء قرروا انتم بماذا نعوضهم ...وقرروا ايضا كيف يعاقب من قام بهذه الجريمة وكيف يجازى وماذا يستحق ...انا متأكد بانكم سمعتم وشاهدتم الاف من هذه القصص لكن هل سمعتم عن احدهم اخذ حقه او عوض وهل سمعتم عن مجرم اخذ عقابه وجزاءه ...لازال الراوية يتذكر تلك المراة وصوتها يرن في اذانه و لازال ينادي بصوت عال ويصرخ ويتكلم ولازال يطالب بحق (مضيع ) ويبحث عن عدالة لاتلك التي تساوي و تضع الام وطفلها في مواجهة ذلك الضابط ...في أي زمن نعيش والى اين سنصل والى اين سنذهب بهذه العقلية وبهذه الطريقة ...........؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!
مقالات اخرى للكاتب