(لمناسبة الدعوة الى قيام تظاهرات ضد الفساد في 14آذار الجاري)
تستخدم مفردة (الوباء) حين ينتشر بين الناس مرض يفتك بهم ويصعب السيطرة عليه كالذي حصل للعراقيين في اربعينيات القرن الماضي حين فتكت بهم الكوليرا وأرّخوها شعبيا بأن اطلقوا عليها (سنة ابو زوعه).والمفارقة ان الوباء في انتشار الأمراض صار يمكن القضاء عليه بابتكار المضادات التي تقتل جرثومته فيما الوباء في الظواهر الاجتماعية المنافية للدين والقيم والاخلاق لا يمكن السيطرة عليه اذا سكتت عنه الحكومة او كانت متورطة به،واذا عجز الناس عن ايقافه او تقبلوه باعتباره صار واقع حال..في نظام ديمقراطي!
وما يجعل المواطن (يلطم على رأسه) ان المرجعية الموقرة تقر بوجود الفساد بتصريح ممثليها علنا في خطب الجمعة بان في الحكومة (السابقة) لصوصا وحيتانا،وان الحكومة نفسها تعترف بوجوده،والكتل السياسية المختلفة على كل شيء..تتفق على ان الفساد موجود،والناس بحت اصواتهم من المطالبة بالقضاء عليه..وما من مستجيب،و(انفضحنا) عالميا بوضع العراق ثاني افسد دولة عربية ورابعها دوليا.والأمور تجري بما يشبه مسرحية هزلية او كوميديا سوداء من نوع شرّ البلية ما يضحك..حدث احد مشاهدها في شباط ( 2011) يوم هتف الناس في ساحة التحرير (نواب الشعب كلهم حرامية) وطالبوا الحكومة بمحاسبة الفاسدين فردت عليهم (الحكومة) بضربهم،وحين شعرت بخطرهم سدت جسر الجمهورية المؤدي الى المنطقة الخضراء بالدبابات.والآن يعود ممثلو الجماهير من المثقفين الموجوعة قلوبهم بتنظيم مظاهرة في ساحة التحرير يوم( 14 آذار 2015) بتكرار نفس الطلب مضافا له طلبا أجرأ..ان تتظاهر الحكومة داخل المنطقة الخضراء ان تعّذر على رئيسها الوصول الى ساحة التحرير!!.
يا آلهي..قرأنا في الأدب السوريالي ومسرحيات اللامعقول فما وجدنا غرابة وسخرية وكوميديا فجائعية كالتي تصدمنا مشاهد مسرحية الفساد في عراق النظام الديمقراطي!..آخرها ان نطلب من الحكومة بان تتظاهر ضد نفسها!.ولا تستغربوا..فقد يظهر رئيس الحكومة رافعا بنفسه لافته مكتوبا عليها(الموت للفساد)..وقد ترفعه الناس على الأكتاف،وحين تنفض التظاهرة ويودعونه بوجوه مستبشره وبمدح عراقي (من هذا اليعجبك!)..ويعود ليجلس على كرسي رئاسة الوزارة، فأنه لن يجرؤ على احالة (حوت) واحد الى القضاء..لأن لحظتها (سيصيح) صوت في رأسه (ان فعلتها ياحيدر العبادي فياويل حزبك من الفضيحة).وكان هذا الصوت قد اسمع علنا بلسان سلفه نوري المالكي :(لديّ ملفات فساد لو كشفتها لانقلب عاليها سافلها)..ولم يكشفها لأن الحيتان موجودة في كل الكتل خمطوا المليارات بالأطنان..ولم يستطع خلفه العبادي صيد حوت واحد برغم انه اعطى وعدا والتزاما سياسيا بصيد كل الحيتان..فابتلى بوباء اشاعه سلفه و(رفيق دولة قانونه) .وصدقونا..لن يستطع الا ان يغادر حزبه ويكون الناس حزبه وظهيره..وتلك نصيحة قدمناها له قبل ثلاثة اشهر بعنوان (افعلها تدخل التاريخ)..وما فعلها.
الحقيقة كنا شخصّناها عام( 2009 ) بعد ان لاحظنا شيوع الفساد وصغناها في حينه بما يشبه النظرية (او قانون اجتماعي) هو:
(اذا زاد عدد الافراد الذين يمارسون تصرّفا يعدّ خزيا،
وتساهل القانون في محاسبة مرتكبيه،وعجز الناس عن ايقافه
او وجدوا له تبريرا، تحول الى ظاهرة ولم يعد خزيا كما كان).
الفساد ،ياسادة،يشبه المرض..فكما ان المرض ينشأ خفيا ثم تبدأ اعراضه بالظهور،فان لم يعالج في حينه تضخمت هذه الاعراض واصبحت عصية على العلاج..كذلك الفساد في العراق الذي ظهرت اعراضه قبل ثلاثة عقود وتضخمت بعد التغيير..وكان الاحتلال احد اهم عناصرها لأنه اوصل المسؤول العراقي الى حوار داخلي تبريري مع نفسه:(ما دام المحتل ينهب العراق وليس له من رادع..فلماذا لا انهب انا وطني!)..فضلا عن ان امريكا حمت وزراء ومسؤولين عراقين كبار نهبوا المليارات ويعيشون الآن فيها مرفهّين!
الحقيقة التي تبدو غائبة عن كثيرين،ان الفساد في زمن النظام الدكتاتوري تكون الحكومة او رئيس النظام هو المسؤول الآول عنه ،فيما الفساد في النظام الديمقراطي يكون المسؤول الاول عنه هو..الناس،لأنهم هم الذين انتخبوا اعضاء برلمان معظمهم يسيل لعابهم على الدولار،وتحديدا..من يوم جاءوا ببرلمان (2005) الذي التف على مبدأ الحلال والحرام وطرحه ارضا (بشرعنة قانونية)..افضى ،بعد ان توسع في مؤسسات الدولة،الى توليد انطباع عام لدى الناس هو ان الحكومة غير جادة في محاربة الفساد بنوعيه اللاقانوني و(المشرعن)..المتمثل بتخصص رواتب ضخمة وامتيازات خيالية للرئاسات الثلاث واعضاء البرلمان والحمايات بمعدل( 30) عنصرا لكل مسؤؤل وو..وآخرها الفضائيون (الموظفون الوهميون) بعشرات الالاف.
ايها المثقفون المفجوعة قلوبهم على وطنهم وأهلهم..نبارك لكم تظاهراتكم،بما فيها دعوتكم الحكومة الى ان تتضامن معكم وتتظاهر داخل المنطقة الخضراء!.ولا تصابوا بالاحباط ان خذلكم من تراهنوا عليه او عليهم..ولكن اعلموا ان الذي يقضي على الفساد في العراق هو احياء الشعور بالانتماء الى العراق وايقاظ الوعي الانتخابي من مخدّر الطائفية..وتلك ستكون مهمتكم ورهانكم الذي يضمن لكم استرداد ثروة الوطن من الحيتان..حتى الذين في اميركا.
مقالات اخرى للكاتب