في أي بلد يشهد وضع أمني صعب كالعراق تشدد الإجراءات وقد تنتهك بعض الحريات (مثل الاعتقالات العشوائية أو على الشبهة أو بتقرير من المخبر السري)، هذا هو الواقع المرير شئنا ام أبينا، ولكن المشكلة الحقيقة تكمن فيما بعد الاعتقال حيث أن بقاء عدد كبير من الأبرياء رهن الاحتجاز وانتزاع الاعترافات من بعضهم بالقوة قد يحول أغلبهم إلى مرضى نفسيين حاقدين على المجتمع مما يؤدي بالنتيجة إلى تفاقم الوضع الأمني بدل حله.
كان المفروض من قانون العفو العام أن يحل هذا الإشكال، ولكن القانون وقف عاجزا أمام من بقت حالاتهم قيد التحقيق ولم يصدر بحقهم أي حكم فساهم القانون في أخراج المجرمين العتاة وسراق المال العام، وبحسب التقرير السنوي لهيئة النزاهة فأن "عدد المشمولين بالعفو بلغ 804 شخصا في العام 2012، بقيمة فساد 489.577.917 دينارا عراقيا، فيما كان عددهم في العام 2011 (5980) بقيمة 3.488.404.713 دينارا عراقيا"، مما يجعلنا نتساءل عن السبب الحقيقي في إصدار القانون.
وهنالك من لم يحتج أصلا للقانون مثل وزير الكهرباء الأسبق كريم وحيد الذي لم تصدر بحقه مذكرة اعتقال مع أنه زوج أبنه في الولايات المتحدة زواج الأباطرة، والسوداني الذي تحولت قضيته بقدرة قادر من اتهام فسجن سبع سنوات إلى كفالة ثم براءة، والمطلوب دوليا مشعان الجبوري المتهم بأكثر من خمسين قضية (بين فساد وإرهاب) حيث تم تبرئته منها بأسرع محاكمة بالتاريخ (نصف ساعة فقط)، وصفقة السلاح التي كشفها الجانب الروسي وأعترف بها الجانب العراقي من غير تقديم أي متهمين...الخ.
وآخرها وأكثرها إيلاما هي قضية البنك المركزي حيث حوسب فيها الشرفاء (د. سنان ،د.مظهر، د. فوزية) وكوفئ المقصرين، حيث لم تشفع لهم درجتهم العلمية وخبرتهم الدولية ونزاهتهم فعوقبوا بشدة لوقوفهم أمام ماكنة الفساد العملاقة، حيث تم اكتشاف عملية احتيال من قبل سبع بنوك أهلية ضد البنك المركزي نصيب كل بنك منها 60-70 مليون دينار عراقي في كل يوم الى يومنا هذا.. المسؤول عنها موظفين متنفذين في البنك المركزي وعدد من الملحقيات التجارية لم يتم لمسهم أو حتى التحقيق معهم، إضافة أنه بعد استبعاد الدكتور سنان الشبيبي واتهامه بالفساد وفي عهد الإدارة الجديدة تم فقد عشرة أطنان من احتياطي الذهب العراقي!!!
ورغم توسط العديد من الشخصيات المرموقة لإطلاق سراح (د.مظهر ود.فوزية) بكفالة والسماح لدكتور سنان بالعودة للدفاع عن نفسه (أبرزها طلب الدكتور عادل عبد المهدي بإخراجهم بكفالة على ضمانته الشخصية)، ورغم تقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق ببراءة د. سنان (وان أستهدافه كان لأسباب شخصية من قبل رئيس الوزراء) إلا انه لم يتخذ أي أجراء وما زالت أبرز عقولنا الأقتصادية في غياهب السجون مع آلاف الأبرياء.
باعتقادي أن سبب فشل قانون العفو العام هو أن الأبرياء لا يحتاجون إلى عفو بل إلى إجراءات تضمن إنصافهم كالمتبعة في أكثر الدول الديمقراطية أبرزها حق المواطن بمحاكمة من يظلمه وأخذ التعويض المناسب كائنا من يكن وضمان نزاهة أجهزة الأمن و القضاء ومنع تسييسهم لصالح أي حزب او كتلة.
مقالات اخرى للكاتب