بسم الله الرحمن الرحيم
مضت عشرة سنوات والاسلاميون الشيعة والسنة يقودون الحياة السياسية في العراق دون ان يتركوا اي بصمة اسلامية واضحة تدل على عملهم من اجل الاسلام او حرصهم عليه ! نعم لا ينكر ان هناك تحديات كبيرة واجهت العراقيين جميعاً هي التحديات الامنية المتعلقة بمحورين خطرين الاول هو محور الهجمات الارهابية والثاني هو محور الفتنة الطائفية ، ولا ننسى ان الاحتلال البغيض لم يزول عن بلدنا وشعبنا الا منذ سنة ونيف فقط. ولكن هل العمل ضد الارهاب والطائفية هو مبرر لترك العمل لصالح القضايا الاسلامية ! الا يجب ان يكون العمل ضد الارهاب اسلامياً وضد الطائفية اسلامياً ، الا يصح بالنسبة للاحزاب والتنظيمات والتيارات الاسلامية ان تكون لها رؤية اسلامية شاملة تتعلق بكل مفاصل الحياة وتسعى لتطبيقها وتسعى من خلالها لحل جميع مشاكل البلد والمواطنين.
نعم كانت هناك محاولات جادة للتصدي لقضية بيع الخمور وتداولها من قبل بعض الاسلاميين فقام بعض مجالس المحافظات بمنع بيع الخمور واغلق محلاتها وظهرت تصريحات فردية هنا او هناك في اوقات متباعدة تطالب بمنعها ولكن تلك الجهود بقيت فردية وهي جهود مشكورة ، وفي مقابل ذلك نجد البعض الآخر من الاسلاميين لا يبالي بهذه القضية والاكثر مرارة ان نعلم موقف بعض الاسلاميين الصريح في عدم معارضة بيع الخمور حيث ان مقترح قانون مكافحة الخمور في مجلس النواب لا يمنع بيع الخمور بل ينظم بيعها في محلات خاصة اي في الخمارات والحانات ! فيا له من خزي يحيط باولئك الذين يريدون تشريع مثل هذا القانون ، هل تعلمون ان تشريع هذا القانون يعني ان يكون هناك مردود مالي للدولة من خلال منح اجازات فتح الخمارات والحانات واستيراد الخمور !! فهل نحن دولة فقيرة حتى تبحث عن فتات مائدة الخمارين لتعتاش عليها ؟! ام ان طعم المال الحرام اصبح سائغاً عند البعض لدرجة انهم يبحثون عن التهام المزيد منه حتى لو كان مال الخمر والدعارة !! لعنة الله على كل من يساهم في تشريع هذا القانون.
ليس الاسلام هو مجرد الحرص على ديمومة مظاهر الشعائر الحسينية المقدسة ، وليس الاسلام هو مجرد رفع شعار (محمد قدوتنا) يوم المولد النبوي حصراً !! بل كان يفترض ان تشكّل الشعائر الحسينية المقدسة وشعار (محمد قدوتنا) الدافع والباعث والمحرك للحريصين عليها للمطالبة بشمولية تطبيق للقوانين والمظاهر الاسلامية في كافة مرافق الدولة والحياة. غير ان ما هو موجود حالياً من مظاهر مخالفة للاسلام وللحياء وللحشمة وللوقار وللاخلاق القويمة يدل على ان الاسلاميين بعيدون عن هدف تطبيق الاسلام وليس لهم منه سوى الاسم فقط !؟
قبل حوالي السنة حاول مجلس محافظة بغداد التصدي لمحلات الخمور بغلقها مستندين لعدم قانونيتها حيث لا تملك معظمها اجازات عمل رسمية. ومن المؤلم ان الاحزاب الدينية الكبيرة والمتنفذة الشيعية والسنية لم تتصدَ لمؤازرة قرار الاغلاق ذلك بل تركت القوم وحيدين يجابهون خصومهم من انصار الخمور المدعومين عادةً من قبل الاعلام العالمي وجهات عظمى وكبرى خارجية ، تركوهم وحيدين في الساحة فخرجت مظاهرات الخموريين ضدهم في شارع المتنبي وساحة التحرير وبدأت الضغوط تنهال عليهم الى ان تراجعوا عن قرارهم بعد خذلان الصديق والنصير والمماثل لهم في الفكر والتنظيم الاسلامي وغفلة التعبئة الشعبية عن نصرة قضيتهم وموقفهم.
ورغم اننا جميعاً نعلم ان بعض الاحزاب الاسلامية ذات النفوذ القوي في الحكومة ومجلس النواب والحياة السياسية تملك المقدرة على تسيير مظاهرات لمئات الالاف من انصارها بإشارة واحدة من اصبعها لأي سبب ترتأيه – كما يحدث حالياً في ايام الانتخابات على سبيل المثال - الا ان تلك الاشارة "لم تنتقل من عالم الامكان الى عالم الوجود" من اجل المطالبة بغلق محلات الخمور والمطالبة بمنع استيرادها نهائياً او من اجل منع الاعداديات المختلطة التي انتشرت في كافة محافظات العراق حتى المقدسة منها ! أو من اجل تعديل عمل المصارف الحكومية والاهلية لتكون خالية من الربا.
ونتيجة لذلك فقد تمادى الخموريون اكثر واكثر فلم يعودوا يكتفون بفتح المزيد من محلات الخمور بل انتقلوا الى مرحلة تأسيس حانات لشرب الخمور تحت عنوان (نادي ترفيهي اجتماعي) في قلب بغداد عاصمة العراق الذي يرفع دستوره عبارة (الاسلام دين الدولة) وفي الحقيقة فقد تخلت الدولة عن دينها وتركته للانتهاكات في ظل سيطرة الاحزاب والتنظيمات والتيارات الاسلامية المتخاذلة. وربما اغرى الخموريون ودفعهم للتمادي محاولة مجلس النواب تشريع القانون سيء الصيت - الذي اشرنا اليه آنفاً - والذي يريدون من خلاله تنظيم الخمارات والحانات واعتبارها محلات قانونية مجازة رسمياً !
ربما لم يحن الوقت لحد الان للتفكير بمطالب اسلامية وربما لم يحن الوقت لحد الآن لرؤية اسلامية لتلك الاحزاب والتنظيمات والتيارات سواء الشيعية او السنية ! فالظاهر ان لا احد يفكر بالاسلام وتطبيقه تطبيقاً محمدياً إلهياً يعكس عظمة الاسلام ومقدرته على ادارة الحياة بصورة نافعة للناس. فقط الارهابيون هم الوحيدون الذين يعملون على تطبيق نسختهم الاسلامية المشوهة المبنية على تخلف الجاهلية وتكفير الاخر وقتله والاسراع به الى النار وقتل المؤالف لهم والاسراع به الى الجنة ! ثم مكافأة الغداء او العشاء في الجنة للمغفل الذي ينتحر بعمل ارهابي.
الا يعلم الاسلاميون في العراق حجم الانحطاط الاخلاقي الساري في المجتمع من تميع وتحلل اخلاقي للشباب والفتيات وانتشار السفور والزنى والاختلاط المحرّم ، بل وانتشار التبرّج حتى في داخل الفضائيات الاسلامية من قبل المذيعات المحجبات !! وبعضهم يقول لا بأس انها ليست كارثة وماذا اذا ظهرت مذيعات الفضائيات الاسلامية متبرجات وبعضهن بملابس ضيقة تبرز بعض معالم اجسادهن في ظاهرة غريبة ليس لها مثيل سابقاً !؟ هم يبررون ذلك بأنه لاسباب فنية تتعلق بالاضاءة ! فمن اجل الاضاءة في الاستوديو يباح التبرج من قبل المذيعات الاسلاميات ، ولا ادري من هو صاحب هذه الفتوى !؟
إنَّ في المجتمع اليوم مآسي كبرى تتعلق بانتشار فاحشة الزنى على نحو ملحوظ وبروز قضية زنى المحارم في دوائر الشرطة بشكل ملفت للنظر. واما السفور الفاحش بملابسه الفاضحة الضيقة فلا يكاد يخلو منها سوق في بغداد لا سيما في المناطق غير الشعبية ، وحتى في اروقة الجامعات تلاحظ نماذج عديدة من تلك الملابس الفاضحة وتسريحات الشعر للشباب بصورة تعبر عن الضياع الفكر والاخلاقي الذي يعيشه بعض شبابنا ، وانتشار بيوت الدعارة والنوادي الليلية المليئة بالخمر والعهر والفساد الاخلاقي. ولكن اياً من تلك الهموم الاجتماعية لا تشكل حجر الاساس في رؤى احزابنا الاسلامية العريقة التي مضى على تأسيسها عشرات السنين ! ولذلك لا تلاحظهم يذكرونها او يعملون لمعالجتها او التقليل منها او مناقشتها لايجاد الحلول لها او حتى تسيير مظاهرات ضد ما يكون للمظاهرات اثر فاعل فيه كمنع الخمور والمدارس الاعدادية المختلطة !
يبدو ان معظم قيادات الاسلاميين اليوم في العراق لديهم قضايا اكبر من مجرد منع للخمور او معالجة لانتشار الدعارة والتبرج والانحلال الاخلاقي ومكافحة الربا في الاقتصاد ، فهم منشغلون بالحكم وفرض النفوذ والقوة وكيفية التسلق والاستحواذ على عدد اكبر من المناصب والاموال ومثل هذه القضايا الثانوية (الخمور والدعارة والانحلال الاخلاقي والربا والاعداديات المختلطة) يمكن تأجيل البت بها او تأجيل مناقشتها الى وقت آخر ولو بعد اجيال !! فليس المهم ان يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر بل المهم النفوذ والقوة والحكم والاموال ، فليس النصر - حسب رؤيتهم - من عند الله جلَّ وعلا وإلا لو ايقنوا أنه من عنده سبحانه لعملوا فعلاً وواقعاً من اجل الاسلام في العراق.
مقالات اخرى للكاتب