التعدي على وعي الناس بالاكاذيب والتشهير والمزاعم خرج من موصوف حق مزاولة الدعاية الانتخابية، ومشكلة الاكاذيب التي نتابعها الآن على هامش الحملة الدعائية الانتخابية، وعلى مدار الساعة، انها هابطة المستوى، لغة ومضمونا وأدوات، ولم يقلل من شأن انحطاطها هذا البذخ في استخدام سبل الدعاية.
قواعد التنافس لا تبيح السطو على الذاكرة، فان الملايين يعرفون الفاسدين بالابجدية وفصيلة الدم واسماء البنوك وحجوم اكياس القمامة التي نقلوا بها الاموال عبر الحدود.
إنها الحرية، إذ تصبح جسرا الى خطايا اقل ما يقال عنها انها تدنس هذا الرداء الابيض البريء الذي دفعت البشرية ملايين الانفس من اجل تحقيقها، ومنذ اكثر من مائتين من السنين، وكان ذلك في حزيران من عام 1793 حين اطلقت السيدة الفرنسية الشهيرة مدام رولان صيحتها المدوية يوم وقفت امام المقصلة بالقول: “آه ايتها الحرية.. كم من الجرائم ترتكب باسمك”.
وإذ بدأت الملايين العراقية تستنشق نسائم الحرية بعد احتباس (في غيبوبة القمع والدكتاتورية) لعقود وعقود، فقد فاجأتها حيتان المرحلة باستخدام هذا الفضاء الانساني الرحب لتقديم اسوأ نموذج من ممارسة الحرية وصل حد الكذب العلني بالصوت والصورة، باعتباره دعاية انتخابية.
وتشاء الايام القليلة الماضية من بدء الحملة الانتخابية ان تسجل، وبخاصة من على الشاشات الملونة “وصلات” دعائية هي اقرب الى الوصلات الخاصة بحفلات الملاهي، من حيث الاثارة والالوان وعبارات الاقتدار والالمعية، وذلك في تلك الاعلانات الفاقعة المدفوعة الاجر عن “منقذين” ارسلتهم العناية الالهية الى العراقيين الجياع والمعوزين والعاطلين والمهددة حياتهم من الارهاب والكراهيات الطائفية، ولم يكن اصحاب هذه الاعلانات ليتورعوا عن ايذاء ذائقتنا وذاكرتنا بالكذب الصريح عن براءتهم مما حل بنا من نوائب وحرمانات (ولا يزال) على ايديهم او على ايدي اصحابهم، او على ايدي اصحاب اصحابهم.
اما المقابلات والحوارات (مدفوعة الاجر ايضا) فقد بلغ الكذب فيها من الاسفاف بحيث تبدأ المقابلة بكذبة واحدة (اموال الدعاية عراقية مئة بالمئة) ثم تتسلسل الاكاذيب، من غير توقف، حتى تصل الى القول: لا علاقة لنا بدول الجوار. ليس لدينا مليشيات. جيوبنا نظيفة. كنا نريد ان نقدم الخدمات للشعب. لكن الذنب على غيرنا. ضحينا كثيرا من اجل الشعب.
وتشاء الحمية الدعائية ان يدخل الحلبة طرفان يحمّل كل منهما الاخر مسؤولية ما حل بالعراقيين، ويختار كل منهما عبارات منتقاة على هيئة لائحة من الاكاذيب تبرئ النفس، وتزكي السيرة، وتلمّع الرصيد، وترفع الجاه.. لكنها لا تعدو عن “كذب مصفط” برع اصحابه في إمتاعنا..وتذكيرنا بصاحبهم القديم مسيلمة.. سيء السمعة والصيت.
“من كان كلامه لا يوافق فعله ، فإنما يوبخ نفسه”
ابن مسعود
مقالات اخرى للكاتب