استبشر العراقيون خيرا ومعهم أخيار المعمورة ببدء الصفحة الأولى من معركة (الفتح) لتحرير الموصل، ونظرنا جميعا بعين الرضا لتهيئة المستلزمات السياسية والاقتصادية والأمنية والتعبئة لهذه المعركة الكبرى، ولشدّ ما أفرح الناس أن هذه البشرى أتت مع الأخبار السارة بتحرير مدائن الأنبار وبالأخص “هيت” الوديعة الجميلة الكريمة المناضلة.
انها معركة ليست سهلة، وتحتاج الى جهود كبيرة فحتى بعد هزيمة فاشست داعش وخروجهم من أية قرية أو قصبة فالخطوات المنتظرة تكون كبيرة أيضا، فمن تصفية جيوب العدو وخلاياه النائمة، الى ازالة الألغام المزروعة، الى تفكيك البيوت والدكاكين المفخخة، الى إعادة النازحين، الى بدء عملية الإعمار ويالصعوبة الإعمار مع جو التقشف وشحة الموارد.
ومع كل هذا نحتاج الى تعزيز روح النصر في قلوب أبناء قواتنا المسلحة وأبناء شعبنا، وهذا التعزيز يكون بعدة وجوه، فتوفير المستلزمات اللوجستية والعسكرية للمعركة وجه، وكسب ثقة أهلنا في المناطق المغتصبة وجه، وإدامة المعركة ضد الفساد وجه، وتجذير الاصلاح وجه، والمصالحة الوطنية وجه، وانهاء المحاصصة وجه، وإعلاء شأن المواطنة وجه، وكذلك رفع المعنويات وجه مهم من أوجه تعزيز روح النصر، ولنا في الساموراي مَثَلٌ يُحتذى به.
يُحكى أن إمبراطوراً في اليابان كان يأتي بقطعة نقود قبل كل معركة يخوضها، وقبل أن يقوم بإلقاء القطعة يقول للجنود:
– أيها المقاتلون الأبطال، سأرمي هذه القطعة النقدية فان جاءت على وجه (الصورة) فإننا: “سننتصر”، وإن جاءت على وجه (الكتابة)، فإننا: “سنتعرض للهزيمة”…
لكن الملفت في الأمر أن هذا الامبراطور لم يكن حظه يوماً على ال (كتابة) أبدا، بل كانت القطعة دائما تأتي على (الصورة)، فترى الجنود يقاتلون بحماس منقطع النظير حتى النصر، وهم متيقنون من النصر سلفا.. ومرت السنوات وهو يُحقق الإنتصار تلو الآخر، فلما تقدم به العمر وحانت لحظاته الأخيرة وهو يحتضر، دخل عليه ابنه الذي سيكون إمبراطوراً من بعده، وقال له: “يا أبتي، أريد منك تلك القطعة النقدية لأواصل مسيرتك الظافرة وأحقق الإنتصارات”.
فأخرج الإمبراطور القطعة من جيبه وأعطاها له، فنظر الإبن للقطعة فإذا الوجه الأول (صورة)، وعندما قلبها شعر بصدمة كبيرة فقد كان الوجه الآخر للقطعة (صورة) أيضاً.
تضايق الابن جداً من هذا الأمر، وقال لوالده: “أبتاه، أنت خدعت الناس طوال هذه السنوات، فماذا أقول لهم الآن، هل أقول لهم ان أبي البطل هو رجل مخادع″.. ردّ الإمبراطور على ابنه قائلا:
– إسمع يا بُني، أنا لم أخدع أحداً. ولكن هذه هي الحياة، فعندما تخوض معركة يكون أمامك خياران: الخيار الأول هو الإنتصار، والخيار الثاني هو الإنتصار أيضا، لأن الهزيمة تتحقق إذا فكرت بها، وكذلك النصر فانه يتحقق إذا وثقت به.
مقالات اخرى للكاتب