في كلمته أمس الثلاثاء 11حزيران 2013 وأمام أنصاره في البرلمان التركي، وبحضور حشد من أعضاء حزبه على مدرجات المتفرجين، استعرض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان منجزاته في مجال البيئة والتشجير، والتخطيط لتخفيض سنّ الترشيح لمجلس النواب الى الثامنة عشرة من العمر، في محاولة للردّ على المحتجين والمتظاهرين ضده وضد تخطيطه لديكتاتورية عثمانية يكون هو على رأسها في نظام ديمقراطي شكلي. ولم يفته أنْ يُذكّر ويُمجّد بالسلطان محمد الفاتح، ويستشهد بصغر عمره حين فتح القسطنطسنية (عشرين عاماً). ومن اسباب الاحتجاجات ضده والمطالبة باستقالته تخطيطه لتغيير الدستور من أجل أن يكون هو الحاكم القوي الأوحد، من خلال اعطاء صلاحيات واسعة وقوية لرئيس الجمهورية كما في فرنسا، إذ إنه سيترشح لرئاسة الجمهوية في العام القادم، وعبد الله غول لرئاسة الوزراء. كما أنه أخذ يتوعد ويهدد المتظاهرين باجراءات قاسية وأشدّ مما أتخذ البوليس أثناء اقتحام ميدان تقسيم أمس صباحاً بشكل عنفيٍّ جرّ عليه احتجاج الغرب، ومنها مكتب الرئاسة الأمريكية. كما أنه في خطابه دافع عن حقّ النساء في الحجاب من خلال الاشاة الى الفترة التي كان فيها تضييق على المحجبات، وهو ما يؤكد التهيئة لسنّ قوانين شرعية دينية تحدّ من حرية الفرد، مثلما يشير المحللون والمتابعون للشأن التركي.، وهي من أسباب الاحتجاات ضده.
الملفت في كلِّ ذلك هو مقاطعته الدائمة بالتصفيق وبالهتاف الحماسي المؤيد أثناء الخطاب،. مما يذكّرنا بخطب القادة العرب الديكتاتوريين أمام مجالس شعوبهم. والأغرب والمثير للضحك والسخرية هتاف الحاضرين: "بالروح بالدم نفديك أردوغان!" بالتركية. مثلما ذكرت المحللة السياسية في فضائية " الميادين" في متابعتها للخطاب.
إنّه الهتاف العربي الخالد خلود العروش: "بالروح بالدم نفديك يا....." والأسماء المفداة بالهتاف معروفة: منهم مَنْ رحل عن الدنيا اعداماً أو قتلاً وحشياً، ومنهم من أزيح عن الكرسيّ تحت الضغط الشعبي المليوني تظاهراً واحتجاجاً ينتظر حكماً أو محاكمةً، ومنهم المتشبث بالكرسيِّ الى اليوم رغم العواصف من حولهِ. وشهدنا بأم أعيننا المجرّدة في عراق القائد التاريخيّ الضرورة كيف بالفرار بساقي غزال وبالملابس الداخلية أُفديَ صدام حسين بعد الاحتلال الأمريكي؟!
إنها مفارقة عجيبة غريبة في هذا الزمن العجيب الغريب، الذي ينقلب فيه الناصح (أردوغان) للدكتاتوريين العرب بالتصحيح وتطبيق الديمقراطية وعدم الوقوف أمام ارادة شعوبهم، والهجوم على بشار الأسد ووصف ما قام به بالمسرحية، عندما خطب في العام الماضي بعد الثورة السورية على نظامه وأمام مجلس الشعب وهتاف اعضاء المجلس كلّهم: "بالروح بالدم نفديك يا بشار!"
إنها حقاً مهزلة، في قرن مهزلة بقرن واحد مُشرَع النصلّ مباح فيه كلُّ شيء إلا الحقَّ والصدق والعدالة والانسانية الضائعة في الرجلين: راعي ما يسمى بالربيع العربي، يستعير وسائل القادة المنصوحين، والذين سقطوا منهم، ليتحوّل هو الى قائد ضرورة جديد لشعبه المنتفض في وجهه. القائد الذي ازيح القناع عن وجهه. والأصح الوجه الحقيقي للاسلام السياسي، وخاصة الأخوان المسلمين، اذ يُعدّ حزب العدالة والتنمية التركي، والمنتسب اليه والمتربي على مبادئه رجب طيب أردوغان.
ولا فُضّ لسانُ أخواننا المصريين حين قالوا:
"اسمع كلامك يعجبني، وأشوف فعالك أستعجب!"
وصدق الشاعر حين قال:
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثلهُ
عارٌ عليكَ إذا فعلْتَ عظيمُ
ونقولُ نحن:
يومٌ عليكَ إذا فعلْتَ عظيمُ
مقالات اخرى للكاتب