العراق تايمز:
ما الخميني إلا ساحر مفخم معمم أفلح في إغواء جموع ال تحصى من فالحي إيران التعساء وشبابها البائس– غير أنه نصب كنبراس لهؤلاء التعساء وفق عملية شديدة الدقة قامت بها المخابرات الحربية البريطانية.
هذا الكتاب يقص عليكم قصة تلك العملية، كما يروي الدور الذي بذلته إدارة كارتر في التواطؤ مع البريطانيين لتنصيب الخميني حاكما. ومن ثّم، يراد من الكتاب أن يكون دليل إدانة لطابور خامس على أعلى مستوى داخل الولايات المتحدة، وهو طابور قدم العون والتأييد آليات هللا المستذئبين وكيانهم السري : الاخوان المسلمون – وهو عون لم ينقطع حتى بعد الاستيلاء على السفارة الامريكية في طهران! ولن تأمن دول المسلمين على نفسها من داء الخميني إلا بعد تعقّب تنظيم الاخوان المسلمين وتقويضه تقويضا تاما في أنحاء العالم، بد ءا من خلاياه الارهابية المستترة في الشرق األوسط، مرورا بمقارها في المنفى وجنيف ومالطا، ووصولا في لندن إلى مسانديها في جامعات مرموقة مثل جورجتاون في العاصمة واشنطن دي سي.
تلخيص الفصل األول : ثورة بيد أصدقائنا.
إن القصة الحقيقية للثورة الايرانية ما هي إلا أقصوصة تتصاغر إلى جانبها أفظع قصص الجاسوسية. ومن اللازم استقصاء ما خلف الابواب المغلقة بخصوص أقوى وأهم المصارف وشركات النفط والمؤسسات الصناعية العالمية، وما كان يدور في أروقة الهيئات والمجالس في نوادي النخبة مثل "مجلس نيويورك للعلاقات الخارجية" و"المعهد الملكي للشؤون الخارجية في لندن".
إن إيران هي ميدان المعركة الظاهر لحرب دارت رحاها وراء الاستار وما زالت تتقد في الاوساط المالية العالمية وأصدقاء أربابها في مختلف أجهزة المخابرات التابعة لدول حلف الناتو وإسرائيل والشرق الاوسط. إذا كان لنا أن نحدد التاريخ الذي شرعت فيه الثورة الخمينية، فإنه شهر نوفمبر من عام ١٩٧٦ . فقد صدر في هذا الشهر تقرير منظمة العفو الدولية وتقرير منظمة حقوق الانسان ليوجه الاتهامات إلى شاه إيران باضطهاد وتعذيب السجناء السياسيين. وفي حقيقة الامر إن معهد أسبن للدراسات الانسانية الواقع في كولورادو كان الاساس الذي مهد لقيام الثورة الايرانية قبل ذلك بسنين عدة. ذلك أن مشروع تقويض نظام الشاه كان قد تأصل وتجذر طيلة قرن أو أكثر، وهي المدة التي تعاهد فيها متخصصو المخابرات البريطانية و رجال الدين الايرانيين والجمعيات السرية وأفراد جماعة الاخوان المسلمين الدينية بالرعاية والعناية كأصول نافعة للامبراطورية البريطانية .
غير أن تقرير منظمة العفو الدولية كان هو الطلقة التي قذفت لتسعر نيران الحرب، ليعلن بذلك عن استنفاذ قوة أحد الحلفاء الاقوياء لواشنطن. ومن المعلوم أن منظمة العفو الدولية إنما هي في الحقيقة جبهة للمخابرات البريطانية؛ إذ يأتي علي قمة المنظمة هؤلاء الذين على علم أكيد بالاخيرة، وهم رامزي كلارك، وسين ماكبرايد، وكونر كروز أوبريان.
وقد كتب مستشار منظمة العفو الدولية، ريتشارد فالك، الاستاذ بجامعة برنستون، القسم الخاص بمشروع الثمانينيات المعني بحقوق الانسان. وبعد أن أعلنت الحرب من جانب منظمة العفو الدولية، شرعت لاهثة مجموعات من منظمات راديكالية ويسارية في اتخاذ الاجراءات ضد الشاه. وفي هذا الشأن أنتج البرنامج الاسبوعي " ١٦ دقيقة " التابع لتلفزيون نشرة إذاعية CBS للتأكيد على أن عناصر البوليس السري التابعة للشاه كانت قد دبرت لقتل العديد من الشخصيات الايرانية المعارضة، بمن فيهم هذا الرجل الذي أصبح الان وزير الخارجية الايراني، صادق قطب زاده، وأحد الناشرين الذين أصدروا كتابات معادية للشاه في ولاية فرجينيا.
وقد شاركت في هذه التعبئة الكاملة منظمات مثل مؤسسة برتراند راسل للسلام، ومؤسسة ليلي و باسو في إيطاليا، ومعهد الدراسات السياسية في واشنطن، والمعهد عبر الوطني في أمستردام، والجهاز الاشتراكي الدولي في أوروبا، ولجنة خدمة الاصدقاء الامريكيين، ومؤتمر شعوب البحر المتوسط المدعوم من ليبيا، وكثير غير تلك من منظمات حقوق الانسان مثل الجمعية الدولية للحقوقيين الديمقراطيين. ومن خلال تلك المنظمات، أصبحت طهران مقصدا يتزاحم عليه الاساتذة الراديكاليون في حركة مطردة تغذيها العواصم الغربية بهدف الاتصال بالمعارضة.
وفي إيران، كانت هناك منظمة واحدة فحسب لها أهمية كبيرة بما يبرر الاتصال بها، ألا وهي جماعة الاخوان المسلمين. وكانت الملالي بقيادة آية الله خلخالي وآية الله الخميني، الذي اعتبر العقل المدبر للثورة، تنظم نفسها تحت جماعة تسمى "فدائيو الاسلام" )وهي إحدى فروع جماعة الاخوان المسلمين (. وفي جميع أرجاء الدولة، تركز ما يقرب من٢٠٠,٠٠٠ من الملالي في جميع البلدات والقرى، على أهبة الاستعداد لتنفيذ الاوامر التي يمليها عليهم بعض المتعصبين على رأسهم جماعة الاخوان المسلمين. وكان تحت طاعة عشرات من هؤلاء الملالي وآيات الله أعداد ضخمة من الموالين والتابعين.
آية الله صادق خلخالي هو في الحقيقة رئيس الخميني، حيث كان الاول زعيم جماعة "فدائيان إسلام".ووفقا لمصادر فرنسية، كان الخميني نفسه عضوا في تلك الجماعة، وهو لذلك كان ينضوي تحت خلخالي وفقا للقواعد التنظيمية للجماعة.
وكانت الذراع الاخرى للثورة الخمينية هي الزمرة صاحبة الخبرة التي تلقت تدريبها في الدول الغربية من عناصر المخابرات التي تحوط رجال الدين وتتفرع حولهم. وهؤلاء الباقون أصبحوا الان الحائزين على المناصب المدنية، ومنهم صادق قطب زاده، وإبراهيم يازدي، وأبو الحسن بني صدر. حيث صدرت التوجيهات اللازمة من واشنطن ولندن عبر "الاساتذة "، وكانوا من أمثال البروفيسور ريتشارد كوتام من جامعة بتسبرج.
التقى كوتام مع يازدي في إيران في بدايات الخمسينيات، عندما كان كوتام ضابط ميدانيا تابعا للمخابرات المركزية الامريكية وملحقا بسفارة الولايات المتحدة بطهران . والتقى كوتام كذلك مع أحد الاعضاء المنتظر لهم أن يكونوا من بين قادة الثورة الايرانية، ألا وهو قطب زاده، وأمده بما يحتاج إليه من توجيهات . وخلال العشرين عاما التالية، عقد الاستاذ بجامعة بتسبرج مع يازدي وقطب زاده جلسات إستراتيجية في الولايات المتحدة وأوروبا وإيران. وكان يازدي النموذج الامثل لهؤلاء "الثوريين".
فقد كان دوما إلى جانب الخميني أثناء إقامة آية الله خارج البلاد في باريس في نوفل لوشاتو، بالاضافة إلى قطب زاده وبني صدر - وهم كانوا البطانة الداخلية التي كانت قوام "المستشارية الخمينية في باريس".
وبعد فبراير ١٩٧٩ ، عين يازدي "نائب رئيس الوزراء لشؤون الثورة وهو المنصب الذي ساعده على تأسيس البوليس السري التابع للخميني (Savama ) و بعد ذلك صار وزير الخارجية، ثم استقال في نوفمبر ١٩٧٩ ، في أعقاب حادثة الاستيلاء على سفارة الولايات المتحدة، ليعود بعدها إلى وظيفة الرجل المكنون خلف المشاهد ضمن عصبة الخميني الداخلية.
وأثناء مدة إقامته لثلاث سنين في فرنسا، عمل يازدي مع قطب زاده ومجموعة من الفرنسيين المحبين للانجليز والوجوديين والمعنيين بالبيئة وعلماء الانثروبولوجيا، وهم الذين ساندوا الحركة الخمينية. و قد سنحت له فرصة الاتصال بأهم شخص عرفه ألا وهو البروفيسور علي شريعتي، هذا المفكر الايراني المتعصب الذي عدت نظرياته عن "الاشتراكية الاسلامية" الاساس التركيبي الذي ألف بين مختلف الحركات الخمينية، وبخاصة في أوساط الطلاب الايرانيين .
ولم يكن شريعتي يعمل وحده، حيث كانت تموله مؤسسة برتراند راسل للسلام . وقد استطاع من خلا منصبه في جامعة مشهد أن يجمع حوله أتباعا من الثوريين ذوي الحماسة من بين صفوف طلاب المدارس الثانوية الايرانية والكليات.
وفي باريس عام ١٩٧٦ ، ناقش يازدي وشريعتي معا مسألة العودة إلى إيران. وقررا فيما بينهما أن يعود شريعتي أولا ، ليليه يازدي بعدها. غير أنه حصل أن قبض على المرشد على الحدود المؤدية إلى إيران، ومن ثم وجه يازدي على إثر ذلك إلى عدم العودة. وقد استغرق الامر حوالي خمس عشرة سنة ليستطيع بعدها يازدي العودة إلى إيران - ليصير على رأس بطانة آية الله الخميني.