لا يزال سجل المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان مريعاً، فمن أصل "225" توصية تقدم بها مجلس حقوق الإنسان إلى السلطات السعودية لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، قبلتْ المملكة العربية السعودية "145" توصية كلياً، و"36" توصية جزيئاً، ولم تقدم أجوبة عن "6" توصيات ورفضت "38" توصية. أما المعاهدات التي رفضتها السعودية في مجلس حقوق الإنسان فهي: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما رفضت سحب تحفظاتها على معاهدات أخرى كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
ولكن أكثر ما يقلق المجتمع الدولي في مجال انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، هي عقوبات الإعدام الممنهج ضد عدد كبير من المواطنين السعوديين وغير السعوديين، فبحسب منظمة العفو الدولية "تُعد السعودية في مقدمة الدول التي يُنفذ فيها أكبر عدد من أحكام الإعدام، حيث أُعدم ما يزيد عن ألفي شخص في الفترة الممتدة بين عامي 1985 و2013. وأُعدم ما لا يقل عن 79 شخصاً في عام 2013 وحده، ومن بين هؤلاء ثلاثة كانوا دون الثامنة عشرة من العمر وقت وقوع الجرائم التي أُعدموا بسببها".
تشير الوقائع أن المملكة العربية السعودية تطبق عقوبة الإعدام على طيف واسع من الجرائم التي لا يقر القانون الدولي بأنها من بين "الجرائم الأشد خطورة" كي تطبق عليها عقوبة الإعدام، فهذه محدودة بالجرائم التي تنطوي على القتل المتعمد، وفق معايير الحد الأدنى الدولية.
ولعل أحكام الإعدام التي تنفذها السلطات السعودية ضد مناوئيها السياسيين والدينيين هي الأبرز في السعودية، والتي لا يختلف الكثيرون في وصفها بأنها "إعدامات خارج نطاق القانون وتمثل أقصى أنواع العقوبات اللاإنسانية.."
فقد تزايدت التوترات بين أفراد الطائفة الشيعية والسلطات السعودية منذ عام 2011، حيث تعالت الدعوات العامة إلى الإصلاح في أوساط السعوديين في المنطقة الشرقية، التي تسكنها أغلبية شيعية، مستلهمين في ذلك الاحتجاجات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما بدأ منذ عام 2011 تنظيم مظاهرات احتجاجاً على اعتقال أفراد الطائفة الشيعية وسجنهم ومضايقتهم، وعقاباً لهم على احتفالهم بالمناسبات الدينية لدى الشيعة، ولخرقهم القيود المفروضة على بناء الحسينيات والمدارس الدينية الشيعية.
إلا أن السلطات السعودية كما أكدت العفو الدولية " ردت على ذلك بتدابير قمعية ضد من يُشتبه بمشاركتهم في الاحتجاجات أو بتأييدهم لها، أو بتعبيرهم عن آراء تنتقد السلطات. فأعتُقل المئات من المحتجبين، وظل بعضهم محتجزين بدون تهمة وبمعزل عن العالم الخارجي طيلة أيام أو أسابيع، وزُعم أن البعض منهم قد تعرض للتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة. وقُتل ما يقرب من 20 شخصاً بسبب الاحتجاجات في المنطقة الشرقية منذ عام 2011، كما سُجن مئات آخرون. ومن بين أولئك الذين أُحيلت قضاياهم للمحاكم، كانت التهمة الوحيدة الموجهة للكثيرين هي المشاركة في المظاهرات.
ويشير ناشطون مدنيون مهتمون بحقوق الإنسان في السعودية أن من بين الذين تحتجزهم السلطات السعودية حالياً اثنان من رجال الدين الشيعة، وهما الشيخ توفيق جابر إبراهيم العامر، الذي قُبض عليه في أغسطس/آب 2011؛ والشيخ نمر باقر النمر، الذي قُبض عليه في يوليو/تموز 2012. ويُحاكم الاثنان أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بعدة تهم، من بينها الحرابة، وهي جريمة يُعاقب عليها بالإعدام.
وفي 27 مايو/أيار 2014، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في جدة حكماً بإعدام الناشط الشيعي علي محمد باقر النمر، عقاباً على عدة جرائم من بينها المشاركة في مظاهرات مناوئة للدولة، والاعتداء على قوات الأمن، وحيازته سلاحاً رشاشاً والسطو المسلح. وفيما يبدو أن المحكمة استندت في حكمها على "اعترافات" موقَّعة، يدعي علي محمد باقر النمر أنها انتُزعت منه تحت وطأة التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة. ورفضت المحكمة النظر في ادعائه هذا.
تؤكد منظمة العفو الدولية "إن معدلات تنفيذ أحكام الإعدام في المملكة العربية السعودية من بين الأعلى في العالم. ومنذ 2011، سجلت منظمة العفو الدولية زيادة حادة في معدلات تنفيذ أحكام الإعدام، حيث سجل تنفيذ ما لا يقل عن 161 حكماً بالإعدام لعامي 2011 و2012. وحتى الآن، أعدم ما لا يقل عن 70 شخصاً في 2013. أما العدد الحقيقي لمن تم إعدامهم فيخشى أن يكون أعلى، نظراً لورود تقارير عن حالات إعدام سرية خلال هذه الفترة".
في الخلاصة: أن سلطات المملكة العربية السعودية تمتنع بصورة عامة عن التقييد بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وبالضمانات التي ينبغي أن يتمتع بها المتهمون في قضايا يمكن أن يحكم عليهم فيها بالإعدام. وغالباً ما تتم المحاكمات في الجرائم الكبرى سراً، ووفق إجراءات موجزة، ودون أن توفر للمتهم المساعدة القانونية اللازمة في جميع المراحل المختلفة للاحتجاز والمحاكمة. ويمكن أن يدان المتهمون بالاستناد حصرياً إلى "اعترافات" انتزعت منهم تحت التعذيب أو غيره من صنوف سوء المعاملة، أو الإكراه، أو عن طريق الخداع. وفي بعض الحالات، لا تبلّغ العائلات بصورة مسبقة بإعدام قريبها.
وفي معرض تعليقه على إجراءات المحاكم السعودية، قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، فيليب لوثر: "ثمة عيوب جوهرية تتخلل النظام القانوني في السعودية. وببساطة، إنه لأمرٌ غير قانوني أن يتم إعدام أحدهم عقب تعذيبه على ما يظهر لانتزاع (اعترافه) بارتكاب جريمة ما، وعلى إثر محاكمة لا يُسمح له فيها بتوكيل محامٍ للدفاع". واختتم لوثر تعليقه قائلاً: "يتعين أن يتم وقف إعدام هؤلاء الرجال على الفور. وينبغي منحهم محاكمة جديدة، ويتعين التحقيق في المزاعم التي تحدثت عن تعرضهم للتعذيب". المصدر (منظمة العفو الدولية، خمسة أسباب تحتّم على السعودية إلغاء عقوبة الإعدام على نحو ملحّ وعاجل).
ولان السلطات السعودية لازالت مصرة على مواصلة نهجها في انتهاك حقوق الإنسان في الحياة، ومواصلة إعدام العديد من الشخصيات السياسية في ظل محاكمات غير قانونية ولا تخضع لمعايير دولية معترف بها، فان ثمة توصيات مهمة بهذا الشأن:
1. على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أن يذكر - وبشكل دائما- السلطات السعودية بأنها ملزمة بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة في جميع القضايا الجنائية، والتي تشمل عدم جواز إصدار حكم الإعدام إلا بناء على محاكمة نزيهة يحصل فيها المتهم على "العون القانوني الكافي في جميع مراحل إجراءات المحاكمة".
2. على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أن تحث السلطات السعودية على إلغاء أحكام الإعدام الصادر بحق الناشطين السياسيين وحثها على ضمان توفير محاكمة عادلة لهم، بما يتماشى مع القانون الدولي والمعايير الدولية ودون اللجوء إلى عقوبة الإعدام.
3. تذكير السلطات السعودية بالتزاماتها الدولية لاسيما التوصيات التي قبلتها في مجلس حقوق الإنسان وحثها على إصدار وقف رسمي فوراً لتنفيذ جميع أحكام الإعدام، تمهيداً لإلغاء عقوبة الإعدام في المملكة العربية السعودية.
4. مطالبة السلطات السعودية بتنفيذ التزاماتها من قبيل تصديق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسحب تحفظاتها على معاهدات أخرى كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
5. مطالبة السلطات السعودية بإعادة النظر في قانون "نظام جرائم الإرهاب وتمويله" حيث يمنح هذا القانون وزارة الداخلية صلاحيات واسعة جديدة ويضفي الصبغة القانونية على مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان السائدة ضد المحتجزين. فقد عبرت منظمة العفو الدولية عن خشيتها من أن يتيح هذا القانون مقاضاة مرتكبي أي شكل من أشكال النشاط السلمي في مجال حقوق الإنسان، واعتباره جريمة إرهابية يعاقب القانون عليها بعقوبات سجن طويلة وصولا إلى إمكانية فرض عقوبة الإعدام.
6. ومع الإقرار بوجود الكثير من العقبات أمام الناشطين في مجال حقوق الإنسان والإصلاح القانوني في السعودية، فان ثمة سبل متاحة أمامهم ولعل من بينها:
أ- العمل على تشكيل المنظمات المكرسة لمناهضة عقوبة الإعدام بالنسبة للسياسيين، والضغط المستمر لإلغاء وتعديل القوانين لموائمتها مع شرعة حقوق الإنسان والعهود الدولية.
ب- تشكيل مجموعات ضغط مجتمعية سعودية وخليجية قبل وبعد صدور أي حكم بالإعدام وإصدار البيانات وتوجيه مناشدات لإلغاء أو تخفيف الحكم.
مقالات اخرى للكاتب