هو ليس الأول، ومؤكد أنه ليس الأخير، فقد شبع العراقيون بل أتخموا بالاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات التي يأتي بها أرباب الحكم في دار السلام، هذه الدار التي يحج اليها الارهابيون باحتسابها كعبتهم -وفق معتقداتهم- من دول عدة خلال العقد الأخير من الزمن. فقد انطلق في بغداد قبل أيام قلائل المؤتمر الدولي الثاني للعمليات النفسية والاعلامية لمواجهة داعش. وهذه المرة أقيم تحت شعار “العالم مع العراق لهزيمة داعش”، وكالمعتاد فقد بلغ تعداد المشاركين فيه أكثر من 50 دولة و70 خبيرا دوليا. هي خطوة أتت كضرورة في توقيتها الزماني والمكاني، إذ بات لزاما أن يحضر المعنيون في المنظمات الدولية التي تعنى بمكافحة الإرهاب الى أرضٍ حدثت فيها عشرات الآلاف -إن لم تكن مئات- من جرائم الإرهاب، التي كانت اليد الطولى فيها لدول قريبة وأخرى بعيدة، تفاوت غرضهم فيها بين سياسي وطائفي وعرقي، وقد اتفقت جميعها على مبدأ إبادة العراقيين إبادة جماعية، ومعروف قطعا مبتغاهم من هذا. أما ضرورة هذه الخطوة فهي لأن عقدا من السنين ونيفا، هو حد زمني فاق ماكان يتوقعه محللون، كان لهم رأي فيما سيحدث بُعيد سقوط النظام الحاكم عام 2003. إذ توقع أغلبهم أن العراق سيمر بفترة عصيبة تتعثر فيها سياسة البلد، وينسحب على ضوء هذا تردٍ في المستوى الأمني، وقطعا هذان الجانبان سيكون لهما الأثر المباشر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. إلا أن تزايد التخبط السياسي والتردي الأمني، ومانتج عنهما تجاوز السقف الزمني لتوقعاتهم، إذ كان واقعيا حتى عام 2006. أما بعدها فقد جمحت على أرض الواقع كل التوقعات بشكل مخيف، حين راهن المتصيدون في عكر المياه على أشعال النيران مااستطاعوا، وإثارة ماأمكن إثارته من فتن ونعرات بين أفراد مجتمع، تعايش أفراده عبر حقب زمنية طويلة من دونما فوارق تشتت اجتماعه، او خلافات تفرق لحمته. ويذكر جيدا من عايش تلك السنين كيف كانت عصيبة، وشديدة الوقع على العراقيين بجميع طوائفهم ومللهم ونحلهم، ولاينكر خطرها على المجتمع برمته، لولا تفهم المواطن العراقي آنذاك لما يدور حوله من أحداث، ومن مطبات مافتئ المغرضون يضعونها في طريق حياته وعيشه في بلده، بعد تحرره من حكم دكتاتوري قمعي كان جاثما على صدره أربعة عقود عجاف.
إذن، فبغداد تحيا منذ أيام حضور جمهور من المعنيين بشأن الإرهاب وكيفية التعامل معه نفسيا وإعلاميا، ومعلوم أن كل عدو له الحق المطلق باستخدام مايحلو له من حيل وخدع إزاء عدوه المقابل، وكفانا نحن العراقيين من عدونا الحالي القابع على أرضنا مانراه ونعيشه يوميا وتفصيليا، فمن سوء حظنا وطالعنا أن عدونا لايتمتع بما يحمله أي إنسان وإن كان غير سوي، من بعض القيم والمبادئ التي نسمع عن أشرار يتحلون بها، فهناك أعداء يرأفون بالطفل، وهناك أعداء لايقتلون امرأة، وهناك آخرون لايؤذون مسنا او شيخا، إلا أعداؤنا سليلو محمد بن عبد الوهاب، فما من صباح يصبح علينا إلا وكان خبر عن ذبح طفل، او حرق امرأة، او رمي شيخ من مكان عليّ، كان قد نفذته عناصر عصابات داعش بحقهم، ولم يكن لهم ذنب سوى أنهم يعيشون في بلد يقوده حاكموه وفق نظرية؛ (سيري وعين الله ترعاك)، ووفق هذه النظرية آل مآل البلد الى ماهو عليه.
فهل يتنبه قادتنا المجتمعون في مؤتمرهم الأخير الى ان البلدان تسير بأعين مبصرة متيقظة، وعقول متنورة مفكرة واعية، ونفوس نظيفة نقية، وهمة جادة عالية خالصة، وفوق هذي وتلك وذاك، تسير وعين الله ترعاها؟
aliali6212g@gmail.com
مقالات اخرى للكاتب