"المواطن في واد والحكومة في واد آخر"، هكذا علقت عبير م. الموظفة في وزارة الكهرباء العراقية على مشروع قانون أعده مجلس الوزراء لمنح العاملين بالدولة إجازة لمدة خمس سنوات وبراتب اسمي كامل مع احتفاظه بحقه في معاش التقاعد.
وتتساءل عبير باستغراب "هل يعي من اتخذ هذا القرار الظروف التي يكابدها الموظف"، لافتة إلى أن "الراتب الاسمي (الراتب الأساسي دون بدلات) لأغلب الموظفين لا يسد جزءا من احتياجاتهم الضرورية التي فشلت الحكومة في تأمينها، وهي ملزمة بذلك".
وتعترف عبير بأنها تتقاضى مخصصات عالية، مقارنة بنظيراتها في باقي الوزارات، مكنتها من تأمين إيجار المنزل الذي تسكنه مع والدتها وشقيقتها، وتقول إن أي تغيير في دخلها الشهري سيضر بها لأنها المعيلة الوحيدة لعائلتها.
القطاع الخاص
في المقابل، يرى الموظف وليد ظافر الذي يعمل بوزارة الثقافة أن إقرار قانون إجازة الخمس سنوات سيكون مفيدا له ولعائلته، موضحا أنه لن يكون هناك أي فرق يذكر بين راتبه الاسمي المقدر بـ450 ألف دينار (386 دولارا) وراتبي الكلي 550 ألفا (472 دولارا)، الأمر الذي يتيح له تحسين وضعه المادي بالعمل في القطاع الخاص.
وأشار وليد إلى أن أغلب خريجي المرحلة الإعدادية أو البكالوريوس سيستفيدون من قرار الحكومة، خاصة ممن لا يتولون مناصب في دوائرهم، ويعملون في وزارات لا توفر مزايا جيدة.
ومن المفارقات أن موظفي الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان) قد يكونون أكثر المتضررين من قرار الإجازة كما يقول الموظف مصطفى عبد الله.
ويضيف مصطفى أن "عوائل عديدة تعمل ضمن دوائر تلك المؤسسات مستفيدة من مراكزها التي تستغلها من أجل منافعهم الشخصية".
ويرى أن قرار إجازة الخمس سنوات سيكون إيجابيا للراغبين في خوض تجربة عمل جديدة أو السفر خارج البلاد".
ترهل وظيفي
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني إن دوائر الدولة في العراق تعاني ترهلا وظيفيا غير مسبوق، إذ إن عدد الموظفين المسجلين في العام 2003 كان 880 ألفا، في حين يربو عددهم في الوقت الراهن على أربعة ملايين.
ويعتقد المشهداني أن قرار إجازة الخمس سنوات متأخر جدا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وخلو موازنات الحكومة من الأهداف الكفيلة بإحداث التغيير المطلوب، مؤكدا أن تعدد مصادر القرار عمق من الأزمة التي تمر بها الدولة العراقية.
أما الخبير القانوني علي الرفيعي فيقول إن منح الموظف إجازة طويلة مسألة يعالجها قانون الخدمة المدنية، الذي يمنح موظفي الدولة إجازات براتب وبدونه لفترات محددة، نافيا وجود نص يخول الحكومة إعطاء اجازات لفترات طويلة.
وعن جدوى القرار إذا ما طبق، يرى الرفيعي أنه سيساعد في حل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة، إذ تتخلص من الترهل بمنح إجازات اختيارية وتشجيع القطاع الخاص.
قرار متخبط
أما النائب البرلماني عن كتلة الأحرار عضو اللجنة القانونية جعفر الموسوي فوصف قرار الحكومة بغير السليم والمتخبط، وأضاف أنه جاء نتيجة تبديد الموازنة العامة بسبب السياسة الخاطئة والفساد المستشري.
ورأى الموسوي أن قرار إجازة الخمس سنوات دليل واضح على عجز الدولة عن اتخاذ القرارات العلمية التي من شأنها إنقاذ الاقتصاد من أزمته الحادة التي ولدت جيوشا من العاطلين.
وطالب الموسوي حكومة حيدر العبادي بالبحث عن أفكار تخدم الدولة والمواطن عن طريق فرض ضرائب على المستثمرين والشركات، مشددا على ضرورة استشارة الخبراء الاقتصاديين لحل الأزمة وعدم اللجوء لقرارات ارتجالية.
بينما يقول نائب آخر عن ائتلاف دولة القانون وهو خلف عبد الصمد إن القرار الحكومي إيجابي في ظل احتياج أعداد كبيرة من الموظفين إلى إجازة طويلة غير إجبارية، ستسهم بشكل أو بآخر في حل الأزمة التي تعاني منها مؤسسات الدولة.
تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون إجازة موظفي الدولة هو من بين الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة العراقية لمواجهة الهبوط الكبير لأسعار النفط العالمية وارتفاع نفقات الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
مقالات اخرى للكاتب