في ذلك الصباح الخريفي الأسود ..دق جرس المدرسة إيذاناً للتلاميذ بالخروج لاستراحة قصيرة في باحة مدرسة (قبك) الابتدائية..ولسائق الشاحنة الذي نفذ صبره و تعبت أصابعه من النقر على المقود.
جلس التوأم "علي وعمر" مفترشين الإسفلت في ظل المصد الخشبي لكرة السلة، المنتصبة فوق العمود الحديدي وسط ساحة المدرسة ،والابتسامة الملائكية بفعل البهجة تأبى أن تفارق وجهوهم الصغيرة ،وفي الوقت الذي اخرج عمر قربة الماء البلاستيكية من حقيبته الملونة كان شقيقه علي يراقب كالصقر إقرانه من التلاميذ الذين يتراكضون من حولهم كسرب من الفراشات،يستمتع بنشوة تحقيق الحلم في "ارتياده المدرسة"تناوبوا الشقيقان ارتشاف الماء كما تناوبوا قضم لوح الشوكلاته خاصتهم .
وحين كانت تمضي بسرعة دقائق فرصة الاستراحة القصيرة، عند علي وعمر ..كانت طويلة جدا بالنسبة لسائق الشاحنة.. بل وكأن الزمن قد توقف.!اخذ عمر يشبك أصابعه في لفائف شعر شقيقه محاولا تعديل تسريحته،هذا وعلي منشغل في إعادة قربة الماء لجوف حقيبته ،ثم سأله عمر : ماذا سترسم على الصبورة إذا ما طلب منك المعلم ذلك؟ فاخذ علي يجول بنظره من حوله لايجاد ما سيرسمه، ثم أردف قائلاً وهو يشير بسبابته الصغيرة نحو سور المدرسة : سأرسم هذه الشاحنة.
وفي هذا الوقت وفي غفلة عن الملائكة.. كانت الشاحنة قد اخترقت سور مدرسة (قبك) لتفجر الحقد ،وتنشر الموت والدمار حتى باتت المدرسة أشبه بكرة من اللهب،مخلفة سحابات من الدخان مثقلة بأشلاء الجثث البريئة،ومعها الأحلام الملونة.
سقط علي مضرجا بالدماء وبجانبه عمر المشوه بالحروق، وخيط الدم الرفيع من أذنه اليمنى يتقطع على وقع انتفاض ما تبقى من جسده ، ولم يكن يفصل "التوأم" سوى نصف حقيبة أتت عليها النيران، وبجهد أخير وبأنفاس لاهثة استطاع علي أن يزحف يده ليمسد بأصابعه المدمية يد شقيقه عمر المرتجفة، والتي كانت لا تزال تقبض على ما تبقى من لوح الشوكلاته، ينصت كل منهم لخفقان قلب الأخر،يتبادلون النظرات الأخيرة بأعين غلب عليها الخوف..وحين سقطت الدمعة الأخيرة من عين عمر توقفت أصابع علي.