يقول احد الروائيين المعاصرين : من أراد أن يكتب رواية مهمة عليه أن يقرا مئة رواية مهمة ويقينا إن مخيم المواركة من ضمن هذه المئة رواية
إنَّ فن كتابة الرواية مهما اختلف في ظاهره ، فهو لون هام ومؤثر في أنواع النشاط الإنساني على اختلاف الزمان والمكان والمادة ، وما هو إلاّ مرآة عاكسة لأنواع الأنشطة الإنسانية في مختلف حضارات البشر ، وإن هذا الفن واعني الرواية تمثل أرقى أنواع الأنظمة الاجتماعية الإنسانية من خلال وظيفة البناء لكل المجتمعات.
لقد كانت رواية مخيم المواركة للروائي والقاص جابر خليفة جابر بمثابة ثورة في صناعة السرد وتوظيف المكان والزمان بشكل منطقي ومتوازن واثر ذلك واضح من خلال تطور أسلوب السرد بشكل ملفت للقارئ.
فقد حدد القاص جابر واستوعب في تحديده تأسيس و خلق أطر مادية (سردية) مكشوفة للعيان (ابسط أنواع المتلقين) فضلا عن دهشة المتلقي الواعي بمنجز روائي جديد.
فمع ازدحام الأفكار والتجارب بشكل مثير, نجد هناك الكثير من البؤر والمرتكزات التي تعمد الروائي بطرحها بشكل عفوي (كطرحه للعمل جانبا وذهابه في سفرة ترفيهية مع أفراد أسرته على وعد قطعه لهم).
إنَّ ابرز ما يواجهنا أمام منجز جابر خليفة هو الهروب او التخلص من سطوة الآخر وعدم الانجرار أو الاتكاء عليه (بمعنى أدق إن جابر كان عصاميا في بلورة أفكار منجزه من الألف إلى الياء).
بدءا من العنوان الذي يمهد من خلال المكان وجنس بشري يمتلك مقومات الحياة . فمخيم إشارة إلى مكان افتراضي يصلح لكل زمان ,وجنس المواركة المعنى بأمرهم,وثنائية المكان والجنس , مكتشف جديد ليس على صعيد الطرح حسب , ولكن على صعيد القناعة ,والتسليم بان امة مضطهدة في مكان مهم من العالم كانت لها سطوتها وحضارتها وخصوصيتها , وقد بث فها المؤلف روحا معاصرة في مخيمه المتشظي.
ولأهمية المكان وجنسه جاء العنوان على غلاف الرواية بجنب عنوان مهم في احد فصولها، وهذا يعبر عن وجهة نظر تشد المتلقي الى مكان الجنس وجنس المكان في متوالية تمتد على طول السرد.
ويمكن القول: إن رواية مخيم المواركة همها الإنسان، ولازمته الخالدة الحرية، والانفلات من قيود العبودية، والاستغلال .
ولعل الصورة المأساوية الأكثر سوداوية هي لجوء الأنظمة المتسلطة إلى الإفراط في العنف ضد من يخالفهم الرأي والعقيدة .
وفي مخيم المواركة نرى كيف تحولت الحمامات العامة إلى ركام ؟,وكذلك القسوة في محاسبة النساء اللواتي يستخدمن العطر والحلي والتزين.
كل ذلك يشكل هما اكبر للنظام الحاكم والذي لا يكترث إلا بما يبقيه متسلطا، وليس في قاموس هؤلاء ما يشير إلى حرية التعبير، أو الخروج بمسيرات للمطالبة بحقوقهم، إنها فترة مظلمة، بل اشد فترات المسلمين ظلاما.
المورسيكيون على لسان احمد رودميرو يمثلون ماساة كل الاقليات على مر التاريخ , وان ماساتهم الكبرى هي لون من الوان البحث عن التحرر واختيار العقيدة.
ان تلون الرواية تحت عناوين مستقلة من حيث المبنى ,وتضامنها في وحدة موضوع واحدة من حيث المعنى تشكل مع هذه الجذاذات الصغيرة وسيلة متفردة في نقل وايصال الافكار والابتعاد عن الكتابة السردية ذات النفس الطويل الواحد.
وقد استطاع الروائي ان يساهم في اظهار هوية الموريسيكيين، وفضح استبداد محاكم التفتيش , ويبدو المشهد الاكثر ماساوية بحيث لايمكن السكوت عنه .
عملية اختطاف الفتاة الصغيرة من يد ابيها ثم عملية القتل الوحشية علنا امام الناس وامام ابنته قد هيج مشاعر الانسان في قلب كاسياس ليترك مهنته في نحت المايوركات والصعود الى الجبال في عملية رفض لكل مايدور على ارض الاندلس المضمخة بدماء المور سيكيين الابرياء.
ان الالم الذي اندلق الى روح كاسياس وهو يجالد محنته في مشهد العبد الموريسيكي الذي كان يقود فرس الفتاة اذ عذبوه بالدواليب الدوارة.
وبعد ان توسل بالسيدة العذراء وبالطفل المسيح , لكن دون جدوى فقد شدو يديه وقدميه الى اربعة دواليب كل واحد الى جهة حتى اغمي عليه وتمزق جسده.
يقول احد الروائيين المعاصرين : من أراد أن يكتب رواية مهمة عليه أن يقرا مئة رواية مهمة ويقينا إن مخيم المواركة من ضمن هذه المئة رواية.
