آثر القضاة العراقيون أن لا ينتهي دورهم خلف مناضدهم في المحاكم، ففي الوقت الذي ينشغلون باسترجاع حقوق الناس وتمشية معاملاتهم، يمسكون بيدٍ أخرى أو يحاولون قدر إمكانهم وضع الحلول والمعالجات لتجنب المشكلات التي تعصف بالمجتمع وهم أبناء بيئتهم الواقفون على نزاعاتها والعارفون بسجيّتها.
لم يعد القضاء بعد 2003 حبيساً لمهمة إصدار الأحكام والقرارات، فقد كان لرجالاته وقفات مميزة في إلقاء الإضاءة على كل السلبيات التي تواجه الحياة اليومية وتعكر ديمومتها بصفاء، ففتحوا الأذرع لكل قنوات التواصل مع الرأي العام والجماهير من أجل الارتقاء بالمجتمع والتحول إلى دولة المؤسسات وسيادة القانون وإن كان ذلك بطيئاً بسبب الظروف الأمنية والاجتماعية.
أدت السلطة القضائية دوراً اجتماعياً لافتا حتى إنها تدخلت على جميع المستويات وتصدّى القضاة لمهمة الظهور الإعلامي وهم يتحدثون عبر البوابات الصحفية المختلفة سواء كانت الرسمية أو غير الرسمية وكذلك المشاركة الفعالة في اجتماعات منظمات المجتمع المدني للبحث عن حلول للازمات الاجتماعية المتلاحقة في مهام تخطيطية مشتركة والسعي لإيجاد معالجات سريعة.
التواجد الميداني للقضاة يعكس مقدار تحديهم للظروف الأمنية وهم من يواجه يوميا أخطر العناصر الإرهابية والعصابات ويصدرون أحكاماً بحقهم وفق محاكمات عادلة، فهم ينطلقون من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقهم، يشخّصون المشكلات ويقترحون الحلول إلى الجهات ذات العلاقة وهذا ما يؤكد أن ظهورهم الإعلامي ليس الغرض منه الترويج لمؤسسة أو أشخاص.
ولعل موجة الأحاديث الإعلامية الأخيرة لقضاة الأحوال الشخصية عن تزايد حالات الطلاق وأسبابه خير مثال على الدور التثقيفي للقضاة، إذ ظهر العديد منهم عبر قنوات تلفزيونية وصحف ووكالات انباء، وشرحوا ما يجري من مشكلات اجتماعية داخل نطاق الاسرة التي تبين أنها اغلبها مشتركة وأدت إلى انفصال الزوجين، وهذا الحديث لم يكن للاستهلاك الاعلامي أو محض آراء شخصية إنما نتاج تجربة واستقراء ومعلومات حصل عليها القضاة من ميدان المحاكم الشرعية.
لولا أهمية هذه الموضوعات وخطورتها لما زاد اهتمام أغلب وسائل الاعلام المحلية والعالمية بإقحام القضاة في مختلف المشكلات الاجتماعية، منها، انضمام شباب إلى الجماعات المتشّددة، التسول، عمالة الأطفال، المشكلات الاقتصادية الناتجة عن التعاملات التجارية المشبوهة، الحوادث المرورية، الجريمة الالكترونية، وغيرها من الملفات التي أصبحت نتيجة التحولات في المجتمع العراقي تستحوذ على مساحة كبيرة من اهتمام المواطن كونه يتأثر بها بشكل مباشر.
مقالات اخرى للكاتب