اعمارهم مختلفة كأنهم اشجارٌ غُرِست في حديقة على ضفاف نهر هادر منظرها يسر الناظرين ويسرق ألبابهم، هوياتهم وثقافاتهم لاتتشابه كأنهم طيور بيضاء جاءت محلقة في سماء الامنيات هاربة من الصقيع تبحث عن الدفئ في الطرقات المؤدية لكربلاء، وجوهٌ برغم التعب الذي يغلفها لكنها تشعُ بالابتسامة وتقطر بالحياء، اجسادهم تسير بخطواتٍ متزنة وهم يرتلون همس الاشتياق والولاء لكعبة الزمن والخلود والتاريخ، انهم يبحثون عن قطرات الامل بين رحاب الاربعين فقد يَبسَ العطش اغصان اعمارهم، انهم يبحثون عن الحسين الذي لم يشهد له التاريخ نظيراً ، شخصٌ يحرك الامم الميتة ويبعث الحياة في القلوب الخاملة وهو الدليل لكل الارواح الضائعة، ضريحهُ تجتمع حولهُ الملايين دون ان يأمرهم او يلوح لهم بالمسير بل هناك بوصلة إلهية تبعث بضوئها من السماء لايراها إلا من آمن بالحسين عشقاً وملاذاً وخلوداً، هكذا رأيت المشهد العاشورائي في زيارة الاربعين كل الملايين الزاحفة تتسابق لتقديم الخدمات للقادمين المحملين بالامنيات والدعوات واللهفة والاشتياق، فلا ترى هناك غير ثقافة الايثار والخُلق النبيل والتواضع الجميل وحب الانسان بغض النظر عن هويته هي الثقافة السائدة على مسرح المسير، لم اسمع حديثاً حزبياً او طائفياً او قبلياً الكل يتحدث بلغة الحسين ومصيبة الحسين، ياااه كم هو رائع ذلك المشهد اتمنى ان لاتنتهي هذه البانوراما العفوية الصادقة لأبقى سائحاً في ملكوت العشق الحسيني الذي حول الناس الى ملائكة على الارض نزعوا الغل والاحقاد والاضغان وتوشحوا برداء الانسانية الحقيقية التي غرس اغصانها الحسين، كيف لا والحسين هو المرتكز الانساني العظيم والرحمة والحب، الحسين عالم الطُهر والنقاء والمبادئ الخالدة، الحسين هو الغربال الحقيقي لكل الممارسات والطقوس والنفوس والاخلاقيات الاجتماعية والسلوكيات الدينية، شكراً لك سيدي ياشهيد الانسانية ومحراب الإباء ان جمعت اشتاتنا المتناثرة في دروب الضياع والاغتراب الازلي، شكراً سيدي يامن حاربت الانحراف والظلم والطغيان والخُرافة، شكراً لأنك الخيمة الكبيرة التي تجمع محبيك من كل أصقاع الارض، شكراً لأنك النبض الذي لايتوقف على طول الزمان.
مقالات اخرى للكاتب