وأخيرا تحقق حلمي وهو حلم كل مسلم في زيارة بيت الله العتيق لأداء فريضة الحج والحمد لله رب العالمين , حدد سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أن الحج أيام معلومة , فشعائر الحج تبدأ بيوم التروية المصادف الثامن من ذي الحجة وتستمر لحين الصعود إلى جبل عرفة (إنما الحج عرفة ) ثم المبيت في المزدلفة ورمي الحجرات (الكبرى والوسطى والصغرى ) ولثلاثة أيام (ومن تعجل في يومين فلا أثم عليه) ثم يتحلل الحاج ويطوف طواف الإفاضة ثم طواف الوداع ويرجع إلى بلده وأهله فرحا بإتمام هذه الفريضة . ولكن في بلدنا الحج ليس أيام معدودة بل هو شهر وأكثر , سافرنا في 19ايلول 2014 ورجعنا في 23تشرين أول , شعائر الحج متعبة جدا ( على قدر المشقة يكون الأجر ) ويحتاج إلى صحة جيدة وقوى بدنية تؤهل الحاج لأداء هذه الفريضة ولكن الذي اتعب الحجيج هو عدد من الملاحظات التي أود طرحها أمام أنظار هيئة الحج وهذا وسأنقله لكم وبمصداقية باعتباري احد حجيج هذا العام وعشت هذه الظروف ومعاناتهم :_
• : قدمت أوراقي الخاصة لأداء فريضة الحج في عام 2008 حيث تم فتح باب التسجيل من قبل هيئة الحج ولمدة سبعة سنوات ودفع صك مصدق بمبلغ (1,300) دينار وظهرت نتائج القرعة وظهر اسمي في ضمن وجبة 2014 فرحت كثيرا لان اسمي ظهر ضمن القرعة وبنفس الوقت تساءلت مع أهلي وأصحابي ياترى من يضمن لي إنني سأكون باقية على قيد الحياة أو أتمتع بصحة تؤهلني للذهاب إلى الحج خصوصا والعراقي حامل روحه فوق راحته وسط الظروف الأمنية والتفجيرات المتواصلة الغير منتهية فالإنسان معرض للمرض والحوادث ولا يعلم ماخبئه له القدر , وفعلا ضمن الحملة معنا عرفت امرأة كبيرة تجاوزت عقدها السابع وعندما قدمت للحج كانت بكامل صحتها ولكنها قبل عامين تعرضت لحادثة دهس سيارة أقعدتها عن المشي والاستعانة بكرسي متحرك بمرافقة ابنتها الشابة دكتورة في الجامعة التكنولوجية التي روت لي معاناتها للتقديم كمرافقة مع والدتها العاجزة حيث استغرقت معاملة التقديم ومراجعة الجهات المختصة شهرين متتاليين كان ضمنها شهر رمضان وحر الصيف وحدثتني عن التعليمات الخاصة بالمرافقين لكبار السن والعاجزين الصادرة من هيئة الحج حيث يتم إصدار وإلغاء التعليمات بصورة سريعة مما يؤدي إلى مراجعات عديدة وسلسلة طويلة من المعاملات التي تثقل كاهل المواطن وتتعبه وعزاءه الوحيد هو زيارة بيت الله الحرام وتحمل كل المتاعب ألخارجه عن إرادته .
• : لوحظ أن أغلبية الحجيج قد تجاوز الستين من عمره علما أن شعائر الحج تحتاج قوى بدنية وصحة جيدة وهذه إحدى معاناة العراقيين فالمواطن ليس بيده الذهاب للحج وهو شاب فالأمر متعلق بهيئة الحج وتعليماتها ولا يخفى عليكم أن كل العراقيين قد تساوت أعمارهم في الهم والمرض وهناك قول للإمام علي عليه السلام ( نصف الهرم هم ) بينما بقية الدول في العالم معظمهم شباب .
يسكن العراقيين فنادق كبيرة وجميلة في منطقة العزيزية الشمالي إحدى المناطق الراقية ولكنها بعيدة عن الحرم الشريف ويحتاج لصعود باص إلى منطقه محبس الجن ثم باص أخر إلى الحرم الشريف وهذه الباصات متوفرة خلال فترة الحج فقط إما بعده ولأننا بقينا أكثر من شهر فنستقل سيارة الأجرة للذهاب إلى الحرم وهذه تكاليف مادية إضافية , كنت في فندق باسم زهرة السعد 4 في الطابق 11 مساحتها تقريبا 5 أمتار مع حمام داخلي صغير وشباك لا يفتح إلا جزء صغير منه حسب تصميم الفنادق مع أربع حجيات احدهما أختي والحمد لله والأخريات تعرفت عليهم هناك وهم كبار في السن ويعانون من الإمراض المزمنة , وطيلة فترة بقاءنا ونحن بحالة صحية سيئة فلن نشفى من الأنفلونزا والسعال لان الغرفة غير صحية بسبب كثرة العدد ولا يتناسب مع حجم الغرفة إضافة إلى الاختلافات الفردية في الطبائع والنفسيات الأخرى بين الناس . وفي عرفه حيث نقضي فترة الشعائر بالمبيت في المخيمات الخاصة لهذا الغرض وكان المخيم الخاص بالعراقيين عبارة عن سجادة مفروشة على ارض متعرجة غير مستويةالتي تؤثر على فقرات ومفاصل النائم وتضم 150 حاج فيها ومزودة بمبردات تضيف حرارة ورطوبة للخيمة وحينها حسدت الحجيج خارج الخيمة الذين افترشوا الأرض والتحفوا السماء ولم يتم توزيع إي وجبة غذاء سوى الماء والبسكت الذي لايغني عن جوع ولا يساوي التعب الذي يعانيه الحاج في الذهاب لرمي الجمرات سيرا على الإقدام مايقارب 3 ساعات ذهابا 3 ساعات إيابا وعند الاستفسار من المرشدات الدينيات الموفدات من الهيئة اللواتي يرافقن كل حملة لشرح مناسك الحج والاستفسار عن أي تساؤل يراود الحاج عن سبب قلة الطعام كانت الإجابة بأنهم سبق وان وزعوا البسكت في الفندق يكفي لمدة سنة , وهذا مااثار غضب الحاجات أم علي وأم عمر المسنات اللاتي يعانين من الجلطة القلبية والإمراض المزمنة بان البسكت مالح مما أدى إلى تدهور حالة أم عمر واستدعاء الطبيب الخاص بالحملة .
*هناك شيخ يرافق كل حملة ليلقي عليهم الخطب والمواعظ والإرشادات الدينية الخاصة بمناسك الحج وقد اثأر انتباهي أن الشيوخ أيضا مختلفين بالآراء ولنفس المشعر فمثلا معنا الحاجة أم مصطفى لا تسمح حالتها الصحية بالذهاب لرمي الجمرات فوكلت شخصا يرمي عنها بالإنابة وهي إحدى شعار الحج المعروفة وأصعبها ولمدة ثلاثة أيام وقد أجاز ديننا الحنيف بتوكيل شخص يرمي الجمرات إنابة عن الحاج المعذور ولكن بشرط ان يبيت في مخيمات منى ولا يغادرها وإذا رجع إلى الفندق ونام ليلته هناك وجب عليه إسالة دم(هدي) أي الذبح بمبلغ 150 دولار تقريبا في حين كانت في نفس الفندق والدة صديقتي ذهبت بعد إتمام الشعائر للاطمئنان عليها فروت لي كيف أن حالتها الصحية تدهورت في اليوم الأول لرمي الجمرات مما اضطرها لتوكيل حاجه معها للإكمال رمي الحجرات بالإنابة عنها ورجوعها إلى الفندق والمبيت فيه فسألتها وهل ذبحت قالت لا لأننا سألنا الشيخ المرافق للحملة قال تدفعين عن كل مبيت في الفندق مبلغ 10 ريال سعودي (مايعادل 3,750)عراقي وهنا تساءلت عن سبب هذا الاختلاف بين المرجعات الدينية والشيوخ فقلت لها بان شيخنا لايجيز ووجب الذبح فقالت ( ذبهه براس عالم واطلع منهه سالم ).
هذا مختصر مفيد لحالة الحجاج العراقيين في موسم الحج ومعاناتهم ولو أردت كتابة تفاصيل أكثر لايتسع المكان المخصص في الجريدة للنشر علما ان الحجيات حلفوني بان اكتب معاناتهم واضعها امام الجهات المسؤولة بعد معرفتهم بمهنتي الصحفية وواجبي لإيصال رسالتهم إلى من يهمه الأمر لتلافي هذه الحالات مستقبلا انشالله .