حظيت الطائفة اليهودية في العراق باهتمامات متعددة تركز غالبيتها على النشاط الصهيوني بين يهود العراق وما تمخص عنه من نتائج تصب في خدمة المصالح الصهيونية، الا ان اي من هذه الدراسات لم تنفرد في معالجة موضوع تهجير اليهود مفهوماً ونشاطاً وممارسة وتحليل جوانبه المتعددة التي مهدت لانهاء وجود هذه الطائفة بعد مضي اكثر من 2500 سنة، على وجودها في العراق. ويبدو ان الباحثين قد عدوا تهجير يهود العراق محصلة نهائية لتغلغل وانتشار النشاط الصهيوني فيه.
ووفقاً لذلك، كانت الرغبة العلمية الاكاديمية والوطنية حافزاً لتتبع الظروف والاسباب التي مهدت لتهجير هذه الطائفة. فلم يكن النشاط الصهيوني سبباً وحيداً دفع يهود العراق الى الهجرة. فالاستعمار البريطاني وخضوع حكومات العهد الملكي لارادته وفشلها بل تقاعسها في مواجهة محاولات الهجرة اذا لم نقل مساهمتها في هذا الامر الى جانب التدخل البريطاني والامريكي وتبنيها للدعاية الصهيونية المضادة للعراق في الخارج للضغط عليه في الاستجابة للمزاعم الصهيونية، كلها اسباب اسهمت في تهجير يهود العراق لتضيف دعماً بشرياً ومادياً للكيان الصهيوني المغتصب للحقوق العربية. ولم يكن الدور الايراني غائباً في ألحاق الاذى بالعراق والامة العربية من خلال دعمه وتشجيعه للهجرة غير الشرعية، واحتضان دعاة الحركة الصهيونية على الاراضي الايرانية دون اغفال الموقف السلبي للطائفة اليهودية المتمثل بعدم تمسكها بجذورها بل على العكس من ذلك استجابت وتفاعلت مع الدعوات الصهيونية.
ان الدراسة التي نحن بصددها، تناولت هجرة يهود العراق للمدة الزمنية المحصورة بين 1921- 1952، حيث ان هذا التحديد يرتبط بما تشكله سنة 1941، من انعطافه تاريخية مهمة في طبيعة الاحداث المتعلقة بالتهجير، فتعد هذه السنة بداية التغيير في اسلوب ونهج الصهيونية في العراق بعد الفشل الذي اصابها بخلق رغبة ذاتية لدى الطائفة اليهودية في العراق لغرض الهجرة الى فلسطين، اذ كانت حصيلة النشاط الصهيوني لهجرة يهود العراق مخيبة لآمال الصهيونية، فقررت البدء باستخدام مفهوم (الصهيونية القاسية) الذي يؤكد على استخدام كل الوسائل غير المشروعة لدفع اليهود للهجرة الى فلسطين. اما عام 1952، فانه شهد آخر رحلة قانونية ليهود العراق توجهت الى الكيان الصهيوني بموجب اسقاط الجنسية عنهم الذي أقر في آذار/ 1950.
* ماهية الهجرة في العقل اليهودي/ الصهيوني
ان محاولة التعرف على فرضية ماهية الهجرة والتهجير ومفهومها بالنسبة للصهيونية العالمية، تتعدى حدودها المعرفية واطارها الزمني والفكري، كونها افراز للنشاط الصهيوني، ولا سيما في مجال تطبيقاتها وخاصة على يهود العراق لخلق استعداد جماعي للطائفة اليهودية لغرض تهجيرهم في الوقت المناسب.
فالحركة الصهيونية تنظر لمفهوم الهجرة على انه مفهوم مرن يمكن تفسيره وفق مصالحها واهدافها التي قررت تحقيقها على ارض فلسطين، فليس لجميع اليهود الاهمية ذاتها بالنسبة للصهيونية. ويتضح ذلك، من رغبتها وسعيها بتهجير من يبدي تعاطفاً مع الايديولوجية الصهيونية، وعلى اساس الانتماء العرقي فضلاً عن حاجة الكيان الصهيوني لاستقطاب فئة معينة لغرض سد النقص في جانب معين دون الالتفات الى فئات اخرى في اماكن متعددة حتى وان تعرضت لخطر يهدد وجودها.
ومن المعلوم، ان الهجرة اليهودية التي ما تزال تشكل لبنة اساسية للكيان الصهيوني، تعد المصدر الرئيسي للنمو السكاني فيه. وقد كانت الهجرة ولا تزال تمثل الامل الاوحد لوقف الركود السكاني الذي يهدد المشروع الصهيوني، لذلك تحتل الهجرة المرتبة الاولى في سلم الاولويات الصهيونية. فبعد قيام الكيان الصهيوني في 15/ مايس/ 1948 ، صارت الهجرة وظيفة من وظائف الامن والدعامة الكبرى لتحقيق الاطماع التوسعية وترسيخ الاغتصاب. فالهجرة هي مصدر مضاف لتعزيز القاعدة السكانية للاستعمار الاستيطاني المركز، ولارساء دعائم الوجود الصهيوني في ارض فلسطين استعداداً لتحقيق ما تبقى من الاطماع الصهيونية تجاه الوطن العربي، ويمكن القول بان الهجرة هي بمثابة مستودع يضخ بطريقة منتظمة لدعم الكيان الصهيوني في تنفيذ وانعاش وانجاح مشاريعه العسكرية التوسعية.
ويجب التأكيد ايضا على ان حرص الكيان الصهيوني على تهجير يهود الاقطار العربية عموماً والعراق على نحو خاص، يعد اختياراً مدروساً خضع لدراسة دقيقة لما يحققه من جدوى على المدى البعيد بالنسبة لمشاريع الكيان الصهيوني. فتهجير يهود الاقطار العربية كان عملاً ملحاً لخلق جدار محكم من العداء السرمدي بين الطوائف اليهودية العربية وشعوب الاقطار التي كانوا يعيشون معها لادراكهم ان هذه الشعوب سيبقى هدفها الوحيد تحرير الارض المقدسىة فلسطين من براثن الاحتلال الصهيوني.
* النشاط الصهيوني في تهجير يهود العراق
لم يكن يهود الشرق بما فيهم يهود العراق من اولويات الحركة الصهيونية التي تحولت الى منظمة سياسية عالمية بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897، ويرتبط ذلك بعدة اسباب، اهمها- ان يهود الغرب كانت لهم الاولوية لقدراتهم وامكانياتهم العلمية والمادية المتفرقة على اليهود الشرقيين، فهم بذلك الاقدر على تحقيق طموحات الحركة الصهيونية. وفقاً للرؤية الصهيونية، والسبب الثاني، معارضة الدولة العثمانية للنشاط الصهيوني عموماً الى جانب عدم تجاوب اليهود لهذا النشاط ولتخوفهم من رد فعل السلطات العثمانية.
تعود بدايات النشاط الصهيوني في العراق الى اواخر القرن التاسع عشر الميلادي بمبادرة فردية محدودة تبناها اليهودي آهرون ساسون بن الياهو ناحوم الملقب بالمعلم. الا ان هذه المبادرة لم تتعد حدود قراءة الصحف الصهيونية التي كانت تصل الى العراق من فلسطين والولايات المتحدة وبريطانيا. ويبدو ان النشاط الصهيوني في العراق كان اوسع من هذه المحاولة بدليل وجود ملف يحمل عنوان (النشاط الصهيوني في العراق 1899) في
ارشيف جمعية الاليانس الاسرائيلية في باريس، يضم بين طياته مجموعة حوادث بضمنها رسالة كتبها آهرون المعلم.
اهتمت الحركة الصهيونية العالمية بيهود العراق بعد انطلاقها في مؤتمر بازل، فقد حاول هرتزل بحجة الحصول على ارض صلبة يقف عليها، كسب الموافقة العثمانية لمنحه امتيازاً رسمياً لاستعمار صهيوني في العراق، فقدم ثلاثة طلبات بهذا الخصوص خلال عام واحد، لكن جميع جهوده باءت بالفشل ازاء موقف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني المعارض للاهداف الصهيونية والذي لم يستجب للاغراءات المالية الكبيرة التي قدمها هرتزل.
هذا الاهتمام لزعيم الحركة الصهيونية هرتزل بالعراق الى جانب الدور المتميز الذي اضطلع به الشباب اليهودي بعد حصولهم على تعليم متطور في مدارس الأليانس في بغداد وانفتاحهم على اوربا، والتعرف على ما يجري فيها من تطورات واحداث في مجالات الحياة المختلفة، ووصول الصحف الصهيونية التي تصل من اوروبا الى العراق والتي تحمل بين طياتها الافكار الصهيونية التي قربت المتغيرات التي تحدث في اوروبا الى العراق، وضع قاعدة لا بأس بها في ذلك الوقت للصهيونية لنشر افكارها بين يهود العراق.
ومع ذلك، لم يكن للنشاط الصهيوني المبكر في العراق وحتى عام 1919، اي أثر في هجرة اليهود الى فلسطين، بمعنى لم تكن هجرة اليهود بغرض صهيوني او مطمع سياسي، وما حصل هو بوازع ديني مجرد لم يتعد كونه عملاً خيرياً، وهم في هذا لا يختلفون كثيراً عن اي شخص يدين بدين ما يقرر زيارة رموزه المقدسة.
تمثلت الجوانب الروحية ليهود العراق تجاه فلسطين من خلال طقوسهم الدينية التي مارسوها في معابدهم دون تحميلها اي مدلول سياسي يسعى للهجرة من اجل الاستيطان على اساس ديني. فالذين كانوا يذهبون الى فلسطين لم يقصدوا بالضرورة الاستقرار فيها.
هاجرت اعداد مختلفة من اليهود العراقيين نحو بلاد الشرق مثل الصين والهند. وكانت تلك الهجرات في معظمها تجارية ودينية بحتة. فعلى الرغم من ابتعادهم عن العراق الا انهم واصلوا العيش متعلقين بالتعاليم والتقاليد البغدادية، ورغم انهم قد حققوا استقلالهم من الناحية الاقتصادية وجمعهم للثروة، الا ان ذلك لم ينسهم انهار العراق والمقدسات والاضرحة والكليات والمدارس والمثقفين والفقراء والمرضى والمحتاجين ومواطن الاباء والاجداد على نهري دجلة والفرات.... مما يدل على ان اليهود العراقيين كانوا يعدون العراق موطنهم ولا يسعون للعيش في مكان آخر حتى نفثت الصهيونية سمومها.
ان المتتبع لهجرة يهود العراق حتى عام 1919، يجد ان الذين هاجروا الى الهند والصين يفوق بكثير اولئك الذين هاجروا الى فلسطين، مما يؤكد ان فلسطين لم تكن هدفا وحيداً للهجرة ولا تشغل اهمية خاصة لدى يهود العراق، هذا اذا ما علمنا ان الانتقال اليها كان سهلاً لكونها تقع ضمن ممتلكات الدولة العثمانية. ولا تشير المصادر الى ان الذين قصدوا فلسطين من يهود العراق قد استقروا فيها نهائياً ولم تسجل الاحصاءات الخاصة بالمهاجرين الى فلسطين ليهود العراق اي نسبة الا بعد عام 1919، مما يؤكد ان الهجرة كانت محدودة جداً وفي
حدودها الطبيعية وعلى نحو لا يختلف كثيراً عن هجرة العراقيين الآخرين من الاديان الاخرى. اما المصادر الصهيونية فتشير الى 3000 مهاجر عام 1919 وصلوا فلسطين، وهم من يهود السفارديم والشرق عموماً دون الاشارة الى جنسياتهم، وقد شكل يهود ايران واليمن الاغلبية الساحقة في هذه الهجرة، اما الذين قدموا من العراق فكان عددهم ضئيلا للغاية.
ما تذكره بعض الوثائق بخصوص عدد اليهود العراقيين الذين هاجروا الى فلسطين خلال المرحلة التي عرفت بالهجرة الاولى والثانية الممتدة بين عامي 1880- 1918، فهي اعداد غير دقيقة ومبالغ فيها. فيذكر ان عدد اليهود الذين هاجروا حتى عام 1903 من يهود العراق هو 160 يهودياً و 310 يهودياً للفترة ما بين 1904- 1918، وهي الفترة التي تمثل الهجرتين الاولى والثانية باتفاق المصادر الوثائقية، وبذلك يكون مجموع من هاجر من يهود العراق خلال هذه الفترة هو 470 يهودياً على ادعاء هذه الوثائق التي اكثرها لا تملك احصائيات دقيقة عن المهاجرين من اليهود العراقيين، فكانت اشاراتها واستنتاجاتها مضطربة واضحة.
لم يواجه يهود الشرق عموماً خلال هذه الفترة اي صعوبة في الدخول الى فلسطين والاستقرار فيها لان يهود اليمن والعراق وكردستان الى جانب فلسطين هم رعايا دولة واحدة هي الدولة العثمانية، اما يهود ايران فكانت معاناتهم في ظل الحكم الفارسي قد دفعتهم للهجرة الى فلسطين للعيش فيها في ظل تسامح الحكم العثماني مع الاقليات الدينية غير المسلمة.
وبذلك، يتضح ان ما تسميه المصادر بالموجة الاولى للهجرة اليهودية الى فلسطين 1882- 1903 والموجة الثانية 1904- 1918 لم تشهد هجرة تستحق الذكر ليهود العراق وكل ما حصل هو هجرة افراد معدودين لاسباب تجارية واقتصادية ولم يكن العامل الديني- السياسي حاسماً خلال هذه الفترة التاريخية.
ساهمت بريطانيا بعد احتلال العراق ووضعه تحت انتدابها بنشر الدعاية الصهيونية وفسح المجال لتوسع النشاط الصهيوني بين يهود العراق بشكل عام وبغداد والبصرة بشكل خاص، وهما المدينتان اللتان تضمان نسبة كبيرة من يهود العراق.
شهد عام 1920 تطورات مهمة في اسلوب النشاط الصهيوني في العراق. فقد اصبح آهرون المعلم موزعاً لصحيفة هاعولام الاسبوعية في العراق وتسلم الف شيكل (رسم انتماء للحركة، اقدم وحدة للتعامل النقدي استخدمها اليهود) لغرض بيعها على يهود العراق حيث بدأت الاموال تجمع ل ( كيرن هايسود- الصندوق التأسيسي اليهودي) واصبح آهرون ممثلاً للمنظمة الصهيونية العالمية في بغداد ووكيلاً للهجرة الى فلسطين كما بدأ يهود العراق يتهافنون على شراء الاراضي في فلسطين.
يعد يوم 5/ اذار/ 1920، تاريخاً لولادة اول تنظيم صهيوني يمارس عمله بشكل علني في العراق عندما تمكنت العناصر الصهيونية من الحصول على موافقة المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس بتشكيل جمعية صهيونية رسمية وعلنية حملت اسم (الجمعية الصهيونية لبلاد ما بين النهرين) وحال الاعلان الرسمي
عن تشكيل اول هيئة ادارية لها انضم الكثير من اليهود اليها بعد اجتيازهم الشروط الخاصة بقبول الاعضاء الجدد.
وعلى الرغم من قصر الفترة التي مارست فيها نشاطها العلني الا انها لم تتوان عن ترغيب اليهود للسفر الى فلسطين وتحريضهم على الهجرة اليها وشراء الاراضي فيها مما يؤكد الدور البريطاني- الصهيوني في دفع يهود العراق نحو الهجرة وممارسة النشاط الصهيوني.
عملت الحركة الصهيونية على ربط يهود العراق بها بمختلف فئاتهم وبشتى الاساليب في محاولة منها لايجاد صلة قوية بينها وبينهم وخلق الاستعداد لديهم لتهجيرهم الى فلسطين في الوقت المناسب، فبدأت بجمع الاموال منهم لمصلحة ال (كيرن كايمت- الصندوق القومي اليهودي). وقد كانت الاستجابة في البداية كبيرة جعلتهم يحتلون المرتبة الرابعة عام 1920 من بين الدول المتبرعة والمرتبة الثانية عام 1921، بعد الولايات المتحدة الامريكية، وهذا يؤكد المستوى الاقتصادي العالي ليهود العراق مقارنة بيهود الاقطار العربية والاجنبية الاخرى.
ساعدت اوضاع اليهود الاقتصادية الجيدة وتطورها بشكل كبير اثناء الاحتلال البريطاني للعراق على المساهمة في اوجه النشاط الصهيوني المالية وربما كان هذا سبيلاً مقبولاً من يهود العراق للتخلص من الارتماء في احضان الصهيونية. لذلك رأت المؤسسات الصهيونية انه من الممكن الاعتماد على يهود العراق في مجال التبرعات المالية وليس في مجال الهجرة الى فلسطين بل حتى هذا المجال المالي اخذت العناصر الصهيونية تشتكي من عدم استجابة العناصر اليهودية له بشكل مقبول.
اتخذت الصهيونية من النشاط الاعلامي وسيلة لاعداد اليهود صهيونيا لتهيئتهم للهجرة الى فلسطين، وتمثل هذا الجانب باصدار الصحف اليهودية التي تحمل توجها صهيونيا. وعقد المؤتمرات والاحتفالات الصهيونية ونشر اللغة العبرية، واستغلت دور السينما الصهيونية في العراق لتحقيق اغراضها لما لهذا القطاع من دور مهم في حياة اليهود الاجتماعية.
عبَّر الشعب العراقي عن معارضته للحركة الصهيونية من خلال الصحافة في تصديها لهذا النشاط ومطالبتها بردعه ووقفه، وأخذ الرأي العام العراقي يستغل كل مناسبة ليعبر عن رفضه للصهيونية ومساندته لحقوق الشعب الفلسطيني في نضاله ضد العصابات الصهيونية في فلسطين.
شهدت فترة النصف الاول من عقد الثلاثينيات، اجراءات حكومية جادة لمواجهة النشاط الصهيوني خصوصا ان اللجنة التنفيذية للمؤتمر الاسلامي العام المنعقد في القدس (7/ ك1/ 1931- 17/ ك1/ 1931) حاولت لفت انظار الحكومات الاسلامية ومنها العراق الى مسألة هجرة اليهود الى فلسطين من خلال رسالتها التي وجهتها بهذا الخصوص اليهم في اختتام اعمال المؤتمر، بالاضافة الى ذلك شهد العراق خلال هذه الفترة تغيرات مهمة على المستوى السياسي بشكل خاص متمثلة بدخوله عصبة الامم في 3/ ت1/ 1932 فأصبح
بموجب ذلك دولة مستقلة وتولى الملك غازي عرش العراق في 8/ ايلول/ 1933، وتنامي الوعي القومي لدى الشعب العراقي الى جانب تراجع مستوى الدعم البريطاني للنشاط الصهيوني.
كانت الحكومة العراقية تدرك ما للمطبوعات الادبية الصهيونية التي تدخل العراق من تأثير كبير في انتشار الافكار الصهيونية بين يهود العراق، لذلك اصدرت وزارة الداخلية اوامرها في كانون الثاني/ 1932 بمنع دخول نشرات الوكالة اليهودية بالقدس الى العراق، كما منعت كل الاعمال الادبية والعلمية الصادرة باللغة العبرية والانكليزية التي تخص الحركة الصهيونية من دخولها الى البلد واخذت الوزارات العراقية الاخرى تتعاون مع وزارة الداخلية في هذا الاطار.
وشددت السلطات العراقية مراقبتها على العناصر النشيطة في الحركة الصهيونية وابعدت قسم منهم خارج العراق لعل آهرون المعلم كان ابرز هؤلاء عندما قررت السلطات العراقية ابعاده في تموز 1935 لاستمراره بالترويج للافكار الصهيونية من خلال الدعاية للهجرة الى فلسطين بين يهود العراق.
بفضل هذه الاجراءات المختلفة اخذت الدعاية الصهيونية بالانحسار على نحو كبير حتى عدت فترة النصف الثاني من عقد الثلاثينات فترة خالية من اي نشاط صهيوني يستحق الذكر. وبالرغم من ذلك، كان الدور الصهيوني واضحاً في دفع بعض يهود العراق للهجرة الى فلسطين، فقد كان وضعهم مستقراً ومزدهراً اقتصادياً وسياسياً فلم يتعرضوا الى ملاحقة او اضطهاد لاسباب دينية وفقاً لذلك فلم يكن هناك مبرر يدفعهم لترك البلاد، وهكذا فقد حققت الصهيونية نجاحاً محدداً في التغرير ببعض اليهود وتحفيزهم للهجرة.
اجتمعت عوامل مختلفة لزيادة الهجرة اليهودية من العراق ابتداءاً من نهاية النصف الاول من عقد الثلاثينات، فقد حاولت الحركة الصهيونية استغلال دور الجيش العراقي في القضاء على التمرد الاثوري واخذت تشيع ان هذا الاجراء هو فاتحة لاعمال اخرى موجهة ضد الاقليات في العراق لا سيما وان العراق اصبح دولة مستقلة ولم يعد خاضع للسيطرة البريطانية المباشرة. خضع عدد غير قليل من اليهود لهذه الافتراءات الصهيونية وغادروا العراق وعلى نحو خاص الاغنياء، ولكن ليس هناك دليل على ان وجهتهم كانت فلسطين. كما ترك عدد آخر من شباب الطائفة اليهودية العراق فراراً من الخدمة العسكرية الذي طبق على العراقيين جميعا في 2/ حزيران/ 1935. وهذا يؤكد ان تطور الوضع السياسي في العراق واستغلال الحركة الصهيونية لذلك وتفسيره وفقا لاهدافها قد ساعد في ترويع اليهود ودفعهم للهجرة.
لم يكن دعاة الحركة الصهيونية راضين عن يهود العراق لضعف توجههم الصهيوني لدرجة انهم عدوا كل مساهمة اقدم عليها اليهود سواء التبرع بالاموال بين الحين والآخر وشراء الاراضي في فلسطين لم يكن نابعاً عن قناعة او بيولوجية صهيونية. لذلك كان على الحركة الصهيونية ان تتبع اسلوباً آخر غير الدعاية لاجبار يهود العراق على الهجرة لخلق اوضاع غير ملائمة ومضطربة تخيف اليهود وساعد في ذلك استغلال ردود افعال الشعب العراقي الطبيعية المعادية للصهيونية تضامناً مع الشعب العربي في فلسطين.
عادة هذه المشاعر توجه توجها معادياً ضد اليهود بشكل عام لكي تثبت ان اللاسامية موجودة حيثما وجد اليهود ثم تأتي الخطوة التالية بممارسة الصهيونية القاسية التي تعني صهيونيا قيادة اليهود الى الموت من اجل بقاء آخرين على قيد الحياة والعمل بلا ضمير للحفاظ على ضمائر سليمة.. ويتضح من جداول المهاجرين، ان عدد يهود العراق المهاجرين الى فلسطين قليل جدا مقارنة مع المهاجرين من الدول الاوربية او حتى مع بلد عربي.. مما يؤكد ان نجاح الحركة الصهيونية كان محدوداً في العراق مقارنة مع عدد اليهود، بمعنى ان مفهوم الهجرة بدوافع صهيونية بحتة لم يتحقق مع يهود العراق مما تتطلب تهجيرهم باساليب آخرى.
اتخذ مسؤولو الحركة الصهيونية في فلسطين في بداية الاربعينيات قراراً يحث على ضرورة العمل جديا للبدء بتهجير يهود الاقطار العربية ومنها العراق الى جانب قرار حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين الذي خول المندوب السامي بالاذن لأي شخص لا يستطيع ان يحصل على جواز او مستند سفر ما لعدم اعتراف اي دولة بانه من رعاياها او تبعيتها لاي سبب آخر بدخول فلسطين بصفته مسافر او عامل مؤقت او كمهاجر اذا كان من رأيه ان ذلك الشخص لائق لدخول فلسطين، مما يعني تأييداً صريحاً ودعماً مباشراً للهجرة الصهيونية غير الشرعية الى فلسطين.
بدأ المبعوثون الصهاينة بتنظيم عملية تهجير يهود العراق بنوعيها العلني والسري لدعم القوات الصهيونية في فلسطين بعناصر فتية مدربة ومسلحة، واتبعت لتحقيق ذلك طرقا عديدة ووسائل مختلفة.
ساهمت الحرب العالمية الثانية بما تركته من آثار سلبية على الشعب العراقي وخصوصا الضائقة الاقتصادية في استشراء الفساد الاداري والرشاوي بشكل كبير بين موظفي الدولة. استغل الصهاينة هذه الاوضاع فبدأوا باستخدام الرشوة للحصول على جوازات السفر المزيفة لاستخدامها للسفر الى لبنان وسوريا او اي بلد آخر بحجة السياحة او العلاج او الدراسة ثم ينقل هؤلاء الى فلسطين.
اتخذت الحكومة العراقية عدة اجراءات للحد من اتساع النشاط الصهيوني عموما وتهجير اليهود الى فلسطين على نحو خاص، ولم تقتصر جهود الحكومة في معارضتها لتهجير يهود العراق فحسب بل حاولت ايضاً التعاون مع اطراف خارجية للحيلولة دون زيادة الهجرة اليهودية بشكل عام نحو فلسطين.
تمثلت اولى الخطوات بهذا الاتجاه برفض الحكومة العراقية عام 1942، السماح لعدد كبير من المهاجرين اليهود القادمين من اوربا الى ايران بالتوجه الى فلسطين مروراً بالعراق.
بدأت جهود السلطات العراقية تأتي ثمارها في السيطرة على محاولات التهجير الصهيوني من خلال تشديد مراقبتها وجمعها المعلومات بهذا الخصوص، فاستطاعت القبض على مجموعات متفرقة بين الحين والآخر وايداعهم السجن بأحكام طويلة وخصوصاً المتعاونين معهم من المهربين الذين ينتشرون على الحدود العراقية. وقد اثر ذلك سلباً في معنويات اقطاب الحركة الصهيونية التي بدأت تعاني من ازمة في نشاطها لبعض الوقت.
اما على الصعيد الخارجي فقد بذلت الحكومة العراقية جهوداً واضحة للحد من الهجرة اليهودية الى فلسطين فطلب من الحكومتين السورية واللبنانية عدم الموافقة على منح سمات المرور للمهاجرين اليهود من تركيا
عبر اراضي البلدين، وحثت مصر على التنسيق معاً للاحتجاج على السياستين الامريكية والبريطانية المؤيدة للهجرة الصهيونية، كما اتصلت الخارجية العراقية بقنصلها في بومبي وطلبت منه الاتصال بالزعماء المسلمين ليحتجوا على موقف روزفلت المؤيد للصهيونية.
يتضح لنا ان الحكومة العراقية وقتئذ قد سعت خلال فترة الحرب الحرب العالمية الثانية الى اتخاذ بعض التدابير التي من شأنها ان تحد من الهجرة الصهيونية الى فلسطين. ويمكن الاستنتاج ان هذه الاجراءات تعود الى أمرين:
الاول- تزايد الضغط الشعبي المتمثل بالحملات الصحفية التي شنتها الصحف العراقية لمواجهة الخطر الصهيوني. ومن الجدير بالملاحظة ان هذه الصحف كانت لا تزال تفرق في مقالاتها بشكل واضح بين الصهيونية واليهودية، وهذا ما اعترفت به تقارير المفوضية الامريكية.
الثاني- تخفيف الضغط البريطاني على الحكومة العراقية في مواجهتها للخطر الصهيوني والتي ارادت من خلاله تحقيق غايتين: اظهار الولايات المتحدة بانها تتعاون مع الحركة الصهيونية في حين ان بريطانيا تتعاون مع العرب. وتحسين صورة الحكومة العراقية امام الرأي العام العراقي والعربي التي تشوهت بشكل كبير بعد انتفاضة مايس واحتلال الانكليز العراق مرة اخرى.
لقد ساهم ضعف الحكومة، الحكومات العراقية بفسح المجال للنشاط الصهيوني في ممارسة نشاطه بحرية كبيرة، فبعد فشل انتفاضة مايس خضع ساسة الحكم العائدين الى السلطة للهيمنة البريطانية بشكل مطلق، كما استغلت بريطانيا ظروف الحرب لتثبيت نفوذها السياسي والاقتصادي في العراق ومكافحة الروح الوطنية.
وكان ضعف الحكومات العراقية سبباً مباشراً في تعاظم توجيه بريطانيا لادارة البلاد عن طريق عودة المستشارين الانكليز الى الوزارات العراقية، واسندت اليهم مناصب كثيرة ومؤثرة، واذا ما علمنا ان هذه الفترة (1941- 1945) كان نصيب نوري السعيد من الحكم منها مدة طويلة، امتدت من 9/ ت1/ 1941 حتى 3/ حزيران/ 1944، فجعل العراق مرتعاً خصباً للدعايات البريطانية بعد توافد بعثات البلدين على العراق بشكل مكثف.
لقد اولت الحكومة العراقية اهتماماً بملاحقة ومراقبة وتصفية العناصر الوطنية التي كانت تمثل خطرا عليها خوفاً من تكرار ما حدث في انتفاضة مايس متجاهلة النشاطات الاخرى التي كانت تمس أمن الوطن ومصالحه، وتقف النشاطات الصهيونية في مقدمتها، مما خلق كرها متنامياً ضد السلطة القائمة.
ويمكن القول ان موقف الحكومات العراقية الضعيف والمتردد تجاه النشاط الصهيوني جاء نتيجة لضغوط داخلية وخارجية وهي بين مطرقة الشعب وسندان بريطانيا والولايات المتحدة.
* دور ايران في تهجير يهود العراق
مع بداية الاربعينيات بدأ الموقف الايراني على الصعيدين الداخلي والخارجي يتغير بشكل كبير لصالح الحركة الصهيونية مما انعكس بوضوح على الدور الذي مارسته ايران في دعمها لتهجير اليهود الى فلسطين، وقد
اسهم الجنود الصهاينة الذين دخلوا مع القوات البريطانية الى ايران عام 1941 في تنشيط الحركة الصهيونية فيها، فبرزت داخل ايران جمعيات صهيونية تعمل لتهجير اليهود الى فلسطين.
سمحت السلطات الايرانية بعد تولي محمد رضا الشاه الحكم (1941- 1979) بممارسة النشاط الصهيوني بقدر كبير من الحرية، ومن بين العوائل التي شجعت لقاءات اليهود الايرانيين على ممارسة النشاط الصهيوني انه اتيحت لهم فرصة عقد لقاءات كثيرة مع اللاجئين اليهود من اوربا ومندوبي الاستيطان في فلسطين، كما سمحت السلطة عام 1942 للوكالة اليهودية بتأسيس مكتب لها في طهران.
نبهت الحكومة العراقية ايران من اتساع النشاط الصهيوني فيها وحذرتها للخطر الكبير الذي يهدد البلدين لقيام هذه الجمعيات واستمرارها في تهجير اليهود الى فلسطين ودعتها للتعاون وتبادل المعلومات فيما يخص عمل هذه الجمعيات وخصوصاً الجمعية الصهيونية الايرانية دفعاً للنتائج الوخيمة التي يهمها تفاديها.
وقد وجدت الحكومة العراقية ان النشاط الصهيوني في ايران انعكس على يهود العراق بعد ان اخذ يمتد في نشاطه لضم الرعايا العراقيين والسوريين اليهود فيها الى الجمعيات الصهيونية. واستطاعوا خلال سنتين تهجير (146) يهودي الى فلسطين بطريقة غير مشروعة سالكين ببواخر خاصة طريق الخليج العربي- البحر الاحمر- قناة السويس ثم يافا وحيفا.
اتبعت السلطات الايرانية اولى خطواتها في طريق عدم التعاون مع الحكومة العراقية لمواجهة النشاط الصهيوني بتضليل السلطات العراقية من خلال تزويدها بمعلومات خاطئة تتهم فيها يهود عراقيين موجودين في ايران بالانخراط بالنشاط الصهيوني ولكن التحقيقات ثبتت للحكومة العراقية خلاف ما تدعيه ايران، ويبدو انها كانت تبغي من وراء ذلك تحقيق امرين: اولهما- ارباك التحقيقات التي تجريها الحكومة العراقية لمواجهة النشاط الصهيوني ونشاط الحركة الصهيونية. ثانياً- دفع الحكومة العراقية الى اعتقال اليهود العراقيين بعد عودتهم الى العراق على اعتبار انهم من اعضاء الحركة الصهيونية بناء على المعلومات الايرانية، وهم غير ذلك مما يخلق ارباكاً لوضع اليهود في العراق واشعارهم انهم مهددين سواء كانوا متعاونين مع الصهيونية او غير ذلك.
ازدادت معدلات الهجرة اليهودية الى ايران يوما بعد آخر، خصوصا بعد ما اخذت السلطات الايرانية تعد من يهرب اليها من يهود العراق لاجئين سياسيين وتسهل لهم الاقامة والسفر. وكانت الجمعيات الصهيونية التي غضت السلطات الايرانية عنها الطرف تتولى استضافة الهاربين من خلال تخصيص عدد من المدارس اليهودية لايوائهم فيها وجمع التبرعات لغرض تهجيرهم الى فلسطين، مما يؤكد ان الحكومة الايرانية كانت تبدي تساهلا كبيرا ازاء النشاط الصهيوني الذي يمارس على اراضيها والذي اصبح موجه بشكل اساسي لتهجير يهود العراق، ولم يعد يهود ايران يشكلون اولوية بالنسبة للصهاينة رغم حصولهم على الموافقة الرسمية بالسماح لهم بالهجرة شرط ان يتم ذلك على متن طائرات شركة الطيران الايرانية.
وتأميناً لانجاح الهجرة غير المشروعة ليهود العراق اقامت الوكالة اليهودية في ايران علاقات واسعة مع المسؤولين الايرانيين وبعض السكان المحليين في المناطق الحدودية الغربية وخصوصا غير المسلمين لغرض
تأمين استقبال وايواء اليهود الهاربين من العراق. وقد استطاعت عن طريق الرشوة التي كانت متفشية بين اوساط المسؤولين الايرانين بشكل كبير تحقيق اغراضها. الى جانب ذلك استغلت الحركة الصهيونية التشابه العرقي الذي يربط يهود العراق وايران حيث كلا الطائفتين منحدرتين من جذور واحدة، بالاضافة الى وجود مصالح اقتصادية مشتركة بين الطرفين لممارستهما عملاً متشابهاً شجع الكثير منهم على الاستقرار في البلد الاخر وحسب ما تقتضيه المصالح الشخصية الا ان عدد اليهود الايرانيين كان الاكثر توجهاً نحو العراق للاستقرار فيه لعدم وجود ظاهرة الاضطهاد المستمرة في ايران على اساس الاعتقاد الديني. وقد استغلت الحركة الصهيونية هذا الامر في تجنيد يهود ايران للعمل لصالحها.
مارس اليهود الايرانيون نشاطا منافياً لطبيعة وجودهم في العراق بمساهمتهم وبشكل فاعل في عمليات الهجرة غير الشرعية ليهود العراق الى ايران، وقد اثار شكوك الحكومة العراقية سفر اليهود في العراق بجوازات سفر ايرانية على نحو مكثف الى ايران ثم الى ايطاليا ففلسطين.
مارس اليهود الايرانيون وبالتعاون مع السفارة الايرانية في العراق دورا مهما في اثارة الفوضى والاضطراب وارباك الحالة التجارية في العراق تنفيذا لتعليمات الحركة الصهيونية لخلق التوتر في علاقة اليهود العراقيين مع غيرهم من السكان وبدأ عدد منهم ممن تربطه علاقات وثيقة مع السفارة الايرانية في بغداد باستحصال سمات الدخول الى ايران لعدد كبير من اليهود العراقيين. وقامت المنظمة الصهيونية التي انشأت في ايران من قبل الوكالة اليهودية للاشراف على تهجير يهود العراق بارسال متسللين صهاينة من طهران الى العراق لهذا الغرض.
وعلى اثر اتساع عمليات التهجير الصهيوني ليهود العراق عبر ايران، ولعدم استجابة الحكومة الايرانية باتخاذ اي اجراء يساهم في التصدي لعمليات التهريب... اقدمت الحكومة العراقية على اتخاذ مجموعة اجراءات لم تكن مثمرة بسبب عدم تعاون السلطات الايرانية معها. لذلك واصلت الحركة الصهيونية نشاطها لتهجير يهود العراق مستغلين مسالك الهروب المتعددة الى ايران.
من المهم الاشارة ان ايران لم تكن معنية ابداً بالقضية الفلسطينية ولم تظهر السياسة الايرانية اي دعم او تعاطف مع حقوق الشعب الفلسطيني. فعلى الرغم من ايران دولة اسلامية الا اننا نجد انها لم تتأخر في الاعتراف بالكيان الصهيوني وسبقت بذلك كثير من الدول.
لا تشكل فلسطين بالنسبة لها ما تشكله للعالم الاسلامي ولم يسبقها في هذا الاعتراف من دول الجوار سوى تركيا. وثبت تاريخيا ان محاولة النيل من سيادة العراق وأمنه يعد من ثوابت السياحة الايرانية، وهو ما يتوافق مع عقدة الكيان الصهيوني تجاه العراق، فلم يكره اليهود الصهاينة مدينة في الارض كما كرهوا بابل وملكلها نبوخذ نصر فتقاسم الصهاينة والفرس الكراهية للعراق. وقد عبر عن ذلك شاه ايران وبن غوريون.
فعندما قرر الاول الاحتفال بالملك الفارسي كورش الذي انقذ اليهود من الأسر البابلي كاد رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك بن غوريون ان "يُقبل الارض من تحت اقدام الشاه شعوراً بالامتنان والعرفان، لم يكرم ملكاً فارسياً دمر بابل وانهى فاجعة اليهود من الاسر البابلي".
بهذه المواصفات التي تتعمد انتهاك حرمة المسلمين لا يمكن للشاه الا ان يكون مساندا للكيان الصهيوني ومعادياً للقضية الفلسطينية من خلال دعمه للحركة الصهيونية في تهجير يهود العراق الى ايران.
* اخيراً
تكون الفترة الممتدة ما بين 1941-1952، قد شهدت عوامل داخلية وخارجية اسهمت في تخلخل وضع اليهود في العراق وفسحت المجال على نحو واسع للحركة الصهيونية بدعم بريطاني- امريكي وبمؤازرة ايرانية من ممارسة نشاطها بحرية كبيرة وفاعلة خصوصا فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، كما ساهمت احداث هذه الفترة بتصدع العلاقة بين اليهود وبقية ابناء الشعب بعد ان نجحت الصهيونية باذابة الفارق بين اليهودي والصهيوني. وبالرغم من ذلك لم تكن النتائج فيما يخص خلق رغبة جماعية ليهود العراق بالهجرة الى الكيان الصهيوني متوافقة وآمال وطموحات الحركة الصهيونية مما دعاها للتفكير جدياً وبشكل حاسم للتعاون مع بريطانيا والولايات المتحدة لايجاد وسيلة تقتلع الطائفة اليهودية من جذورها على التوجه الى الكيان الصهيوني مستغلة لتحقيق هذا الغرض ضعف ارادة الحكم الملكي وخضوعها بشكل تام للسيطرة البريطانية – الامريكية الداعمتين للكيان الصهيوني.
لم تكن ارض الميعاد التي تدر لبناً وعسلاً الا وعداً صهيونيا كاذبا، فلم تجد الطائفة اليهودية العراقية بعد وصولها الى الكيان الصهيوني الا المعابر التي اطلق عليها يهود العراق بـ (المقابر) وبدأ كل ما تحمله الطائفة من وحدة عائلية وموروث ثقافي يتسرب امام تجاهل واحتقار (الاشكناز) ليهود الشرق، فلم يضم الكيان الصهيوني على ارض فلسطين المغتصبة شعباً يهودياً واحداً، كما تدعي الصهيونية، بل كانت هناك شعوباً مختلفة يجهل احدهم فهم الآخر او يتجاهله ويفتقرون لأي رابط قومي انساني.
* المادة، مراجعة لرسالة ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر غير منشورة، والموسومة بتهجير يهود العراق 1941- 1952. تقدم بها الباحث صالح حسن عبد الله الى كلية التربية- جامعة تكريت، عام 2003.
مقالات اخرى للكاتب