صناعة الدولة في العراق تحتاج وقفة ومراجعة شاملة يتحمل مسؤوليتها الجميع الشعب والسلطة والقضاء والاعلام والساسة ، وشخصيات وطنية تقول وتنفذ وتفعل يساندها الجميع ، وسط ظروف بالغة التعقيد وصلت الى احتلال جماعات التطرّف والارهاب لمساحات ليست قليلة من البلاد قبل اكثر عام ونصف ، سببت الدمار للبنى التحتية وسقط ضحاياها لنصف مليون قتيل ومصاب ، ونزوح أربعة ملايين وهجرة الى الخارج بمئات الالاف ، واوضاع مأساوية لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الاولى قبل 100 عام ، واستنزفت موارد البلاد وذهبت ارواح بريئة ، ولولا فتوى التطوع التي اطلقتها المرجعية الدينية في النجف والدماء التي سالت وتشهد ببطولتها الارض والسماء ووحدت المجتمع بشتى اطيافة ، لكانت العصابات المجرمة اجتاحت العراق ودوّل المنطقة برمتها ، ومع ذلك مازال الخدمات تتراجع والفقر والعوز ينتشر والبطالة تزداد ونصف الشعب لا يملك السكن وثروات البلاد تنهب وتبعثر، وتهديد السلاح المنتشر في كل مكان يهدد السلام في مجتمع متعب يعاني من تراكمات الماضي ، والمستقبل مجهول وعمود المستقبل الشباب حائر وربما ينتفض ليسجل التغيير ورفض التقسيم والعودة للانسانية التاريخية لارض الرافدين .الوضع في العراق خطير ويشهد فقدان لأركان الدولة وضعف القانون الكوارث تنهال على البلاد واحدة بعد الاخرى ، ووجدت الارضيّة المناسبة نتيجة ضعف تركيب الدولة والخلل في اركان السلطة والقضاء ، وبدل ان ندعم حكم الدولة والقانون نواجه تراجع وأصبح إصلاح المجتمع صعب ، بسبب قلة الخبرة وانتشار الفساد وضغط الاٍرهاب والتطرف ، اضافة للتظاهرات التي خرجت بالتاكيد نتيجة الظلم والوضع الاقتصادي المتردي والبطالة المتزايدة ، ولعل الاجتهاد بالتفسير والتطبيق للقانون والمرونة وغموض الدستور النافذ وعدم تشريع قانون المحكمة الاتحادية الدستورية العليا ساعد على استمرار الفوضى في ادارة الدولة وحكم القانون ، رغم ان رئيس السلطة القضائية يعمل لكن ما زال لجهد اكبر وأصوات ترتفع تطلب بالتغيير الحقيقي الملموس ، ولا يختلف عن الأداء البرلمان المتشضي والحكومة العاجزة . ما يتحدث به رؤوساء السلطات عن خطوات الإصلاح لا وجود له وذاب مثل ذوبان الجليد كلام رؤوساء الجمهورية والبرلمان والحكومة ، ولم يرى الشعب اي تغيير او تقدم ونفتقد لرجال ساسة حقيقيين يتمكنون من صناعة وطن ودولة قوية ، تتمكن من تحقيق خطوات جذرية وتأسيس سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية وجيش قوي وشرطة تنفذ القانون ، ورغم ان دول العالم تحاول مساندة ومساعدة العراق بشتى الوسائل وقسم من بعثاتها الدبلوماسية تعمل في بغداد بجد ونشاط ، الا ان ايقاف دعم دول اقليمية اخرى يحتاج لدور اكبر كونها تمول المتطرفين وتدعم افكارهم وتشجع على تقسيم البلد الواحد ، شرط ان تكون الثقافة والمعرفة حاضرة بقوة مع الاعلام الوطني .مراحل الاحتلال العثماني والبريطاني والحكم الملكي ومن بعده الحكم الجمهوري والثورات والانقلابات المتتالية والهروب للخارج من حكم البعث حتى دخول البلاد الديمقراطية الناشئة بعد عام 2003 ، والوطن يفتقد لصناع السياسة وأحزاب وطنية تبتعد عن القومية والمذهبية وترفض شعارات التقسيم وتعطي الحرية للشعب بالعيش في حكم مركزي ام فدرالي ، ودور الجيش ربما اصبح جيدا بعد التصدي لعصابات داعش الارهابية وإخرجهم من المدن بالشهداء والجرحى وما زالت الموصل بالانتظار ، وتشهد الانتخابات تزوير وتزيف لارادة الناس اوصلت الجميع لنهايات مسدود لن تحل الا بالتغيير الجذري وتسلم نخبة خيرة متمكنة امور الادارة والقيادة ، وان يترك من لم يقدم شئ مكانه دون تعقيد وازمات ، وأراهن الحال لن يدوم والمعادلة الجيش والشباب بالتغيير .اركان الدولة السلطة المتمثّلة بالرئاسات الثلاث الجمهورية والنواب والحكومة ضعيفة جدا وتتبادل الأدوار وتعمل بالإدارة وفقا لاحزابها وهذه كارثة ، فيما القضاء يخسر رجاله المشهود لهم نتيجة تقدم السن والموت والتقاعد ، تاركين تفسيرات واجتهادات تتأرجح نتيجة الضغوط والترهيب وهذا خطر كون الحق اذا هبط والظلم ارتفع نقرأ على البلاد السلام ، واعتقد ان الحال لن يستقيم الا بثورة عارمة يقودها الشعب المظلوم ومؤسسة الجيش التي ولدت من رحم المعاناة والفقر ، وتشهد مراحل تاريخ العراق بأنها المنقذ ، والدليل انقاذه الوطن من اجتياح انياب داعش المتطرف والتصدي له وقتل الكثير من عناصره العربية والأجنبية القادمة من وراء الحدود، وتذهب شعارات رياح التقسيم الى الماضي والتطلع لرسم مستقبل اقضل ، والمعادلة والرهان يسانده الخيرين واصحاب الحكمة وارادة الشباب وتركيب المجتمع العراقي الذي يختلف عن كافة شعوب العرب والعالم في النهوض من جديد .
مقالات اخرى للكاتب