توفر دراسة سلوك الساسة خبرة جيدة للتعرف على الأمثلة والنماذج التطبيقية للأشرار ودسائسهم ومؤامراتهم وتخريبهم للحياة ، فالسياسي يمثل - غالبا - الوجه الأكثر قباحة وبشاعة للنفس البشرية التي يسيطر عليها أطماع السلطة والمال والشهرة ، ماعدا إستثناءات قليلة في التاريخ أنجبت المجتمعات فيها ساسة شرفاء كانوا يعملون من أجل مصالح أوطانهم .
ما يجمع رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري وصدام حسين هو تطبيقهما لقوانين العلوم الماورائية: الباراسايكولوجيا ، وخصوصا قانون (( الجذب )) وتوظيفه للوصول الى السلطة ، وهذا القانون الماروائي يختلف عن (( قانون الجاذبية ))- والذي أعتبره ضمن حقل الباراسايكولوجيا ، ولاأعرف هل يوجد من يشاطرني هذا الرأي أم لا - يكشف أحد أسرار الكون الباطنية والعوامل المساعدة في صنع الأقدار والحظوظ ، فهو يؤكد على أن كل شيء تتمناه وتريده وتطمح اليه اذا كان مصحوبا بإيمان حقيقي قوي بتحققه ستحصل عليه ، وليس المقصود الإيمان الديني وانما الثقة المطلقة التي بموجبها سوف تتحرك قوانين كونية خفية لتنفيذ طلباتك بغض النظر عن طبيعتها الخيرة أو الشريرة .
صدام حسين كان يتحدث علنا عن إيمانه بالقدرات المطلقة للإنسان ، وقد تطرق في أحد المرات الى قدرة بعض الأشخاص على التأثير عن بٌعد من خلال طاقاتهم الروحية ، بل أمر وزارة الثقافة والإعلام ترجمة كتب الباراسايكولوجيا ، وتم تشكيل جمعية البراسايكولوجيين حينها ، ولاأعرف إن كانت مرتبطة بجهاز المخابرات لإنتقاء المواهب المتميزة منها على غرار ماتفعله أجهزة المخابرات الدولية.
لقد نجح صدام حسين في إستعمال قانون الجذب للوصول الى السلطة بسرعة صاروخية .. فقد آمن بقوة وثقة أنه يستطيع الإستيلاء على حزب البعث ثم القفز الى كرسي الحكم ، كان واثقا من نفسه وتعامل مع الأمر بعقلية ( عفطي العوجه ) الذي جاء حافيا الى بغداد ، لكنه حمل في روحه إحتقار كبير للبشر وكانت تلك المشاعر سلاحه في الشعور بالتكبر والغطرسة والقساوة ، والسلوك المافيوي في النهب والسرقة والقتل والإستيلاء على السلطة ، ساعده في ذلك مزاياه الجسدية من حيث القوة العضلية وطول القامة ، وكان إستعمال إسلوب ( الشقاوات ) مع رفاقه في الحزب وعموم العراقيين .. إسلوبا ناجحا في إدخال الخوف والرعب وكسر إرادة الآخرين وإجبارهم على الخضوع ، علما أنا أستبعد ان وصول صدام الى الحكم حصل بدعم المخابرات ألأميركية ، فالطريق كان أمامه مفتوحا ولايحتاج الى الدعم الخارجي .
بخصوص إبراهيم الجعفري .. يبدو أنه أيضا آمن بقدرته في السيطرة على حزب الدعوة وبعدها الصعود الى كرسي السلطة ، بما أنه يجيد فن الثرثرة الإستعراضية ومزجها بالشعارات الدينية وتمثيل دور المجاهد الدعوي فلم لا .. فقد صمم على الصعود و نجح فعلا في إستدعاء قانون الجذب وقفز على كافة رفاقه الدعاة الذين كانوا أقدم منه في الدعوة وتعرضوا للسجن والتعذيب ، بينما الجعفري لم يدخل السجن مطلقا ، وتمكن من الهيمنة على الحزب لفترة من الزمن ، و من بين جميع الإسلاميين الشيعة قفز الى كرسي رئاسة الوزراء ولايغير من الأمر شيئامساعدة ودعم إيراني له فهذا يدخل كذلك ضمن نطاق قانون الجذب .
من بين أسباب سقوط الجعفري سياسيا داخل حزبه ولدى الشيعة ، بعيدا عن إعتراض الكورد وربما جهات خارجية عليه ، عدم إمتلاك الجعفري للخصائص الجسدية كالطول وقوة العضلات ( وروح الشقاوة ) المخيف للآخرين ، وأيضا لايوجد لديه ميليشيات مسلحة ، صدام حسين كان لديه عصابة مسلحة مكونة من أعضاء الحزب وأجهزة الدولة الأمنية ، وعند دخول الجعفري حلبة الصراع السياسي بعد سقوط النظام مع عناصر من خارج حزبه مع شركاء المحاصصة ، وإحتكاكه بدول العالم .. جعله يتعثر ويفقد تركيزه وتهتز علاقته بقانون الجذب وينقطع عنه المدد الكوني المساعد له !
سنظل نتساءل : من يقرر الحظوظ والمصير ويصنع الأحداث .. الإرادة أم القدر ، الحظ أم الذكاء ، من يحرك البشر والحياة : هل هو الله بشكل مباشر أم قوانين كونية وضعها لنا وتركنا نعيش ونتنافس ونتصارع ويقتل أحدنا الآخر كالحيوانات دون أن يتدخل لفض الإشتباك بين مخلوقاته التعيسة !
مقالات اخرى للكاتب